للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عبادة التفكر في آيات الله]

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ، أحمده تعالى وأشكره على سوابغ نعمه، وترادف مِنَنه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وَسِع كل شيء علماً، وأتقن كل شيء صنعاً، وسخَّر لعباده ما في الكون كله رحمة منه ولطفاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، إمام المتقين، وأشرف الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها المسلمون! اتقوا الله تبارك وتعالى، واشكروه على ما خوَّلكم به من الفضل في العالمين، وما كرَّمكم به على الأولين والآخرين، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيْلاً} [الإسراء:٧٠] فلقد خلقكم الله في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث، وهيأ لكم الأمن النفسي والغذائي، ثم أخرجكم من عالم الأجنة إلى عالم الحياة الدنيا: {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:٦ - ٨] وزوَّدكم -تبارك وتعالى- بالسمع والبصر والعقل وسائر الجوارح: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨] وأنعم عليكم بالفهم والإدراك، وحثَّكم على التفكر في مخلوقاته، وما سخر لكم في الكون من آياته الباهرة ونعمه الظاهرة في الأرض والسماء، في البر والبحر والفضاء، قال تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:١٠١] {إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية:٣].

فالله -عز وجل- خلق لعباده ما في الأرض جميعاً، وسخَّر لهم هذا الخلق ليتفكروا فيه، ويتبصروا في عظيم صنعه؛ ليكون دليلاً إلى طاعة الله رادعاً عن معصيته: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية:١٣] وذمَّ سبحانه المعرضين عن التدبر والتفكر في آياته ومخلوقاته، فقال سبحانه: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:١٠٥].