للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موقف الإسلام من التطورات العصرية]

إخوة الإسلام! إن دين الإسلام دين الشمول والكمال، فقد حثَّ على التدبر والتفكر في كون الله، وشجَّع على استخدام العقل والفهم، ولم يترك شيئاً فيه نفعٌ للبشرية وخيرٌ لها إلا حثَّ عليه ورغَّب فيه، ولم يقف جامداً أمام الاكتشافات العلمية والمخترعات الحديثة، بل أمر باستخدامها في نصرة الإسلام وحياضه، والدفاع عن المسلمين وبلادهم، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠].

وما أحوج المسلمون اليوم إلى الاستفادة من العلوم المعاصرة، والصناعات الحديثة في ضوء العقيدة الإسلامية الصحيحة، فهي مصدر العزة والقوة والخير للبشرية جميعاً، وأنَّى لأمةٍ من الأمم مهما بلغت من التقدم العلمي والمادي والتحضر العصري، وإن ابتغت نفَقاً في الأرض أو سُلَّماً في السماء، أو جابت الأرض وغزت الفضاء أن تصل إلى ما تصبوا إليه من السعادة والقوة والنصرة والكرامة، وهي في معزل عن العقيدة الإسلامية، ومنأىً عن تحكيم الكتاب والسنة!

أمة الإسلام! لقد منَّ الله على البشرية في هذا العصر؛ إذ سخر لها ما نراه من الترقي في علوم الصناعة؛ الذي بلغ في زماننا -هذا- مبلغاً يفوق الوصف، فهذه المراكب البحرية والبرية والجوية، وهذه الآلات الحربية الحديثة التي تبهر العقول؛ بدقة صنعتها ووفرة منجزاتها، وأدائها لوظيفتها أداءً محكماً دقيقاً، وإن هذه الأمور من ابتلاء الله لخلقه؛ لينظر من يستعين بها على طاعته، ويشكره عليها، ممن يكفر بها ويستعملها فيما يُسخط الله.

ويجب على المسلمين أن يعلموا أن ما وصلوا إليه من تقدم في مجالات الحياة لا يمكن أن يحصل لولا تعليم الله عز وجل، فلو شاء لسلبهم العلم، وكانوا جاهلين بمصالحهم، ولكنه تعالى منَّ عليهم بالعلم والقدرة، ومهما أُوتي العباد من علم وقدرة فإنه يسيرٌ جداً بالنسبة إلى علم الله وقدرته.

فعلينا أن نعتبر بهذه الوسائل الحديثة، على كمال الله علماً وقدرةً ورحمة، وأنه وحده الخالق لهذه الأمور كلها: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:٩٦] فهو الذي أبدع هذه الصناعات، وهو الذي خلق صانعيها، وهو الذي دلَّهم وفهَّمهم، ومنَّ عليهم بالإدراك والعلم والعقل، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام:١٣٧].

كما ينبغي أن تزيد هذه المبتَكرات الجديدة في إيمان المؤمنين، وتمسكهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن يحدث شيء من المحسوس، أو يُعلَم شيء من المعقول يخالف ما جاء به الكتاب والسنة أبداً، بدون تأوُّل أو تمحُّل.

وقد أعمى الله بصائر الكفار والمنافقين، فلم يعتبروا بهذه الآيات على عظَمة الخالق عز وجل، وكماله وقدرته وعلمه، فيفردوه بالعبادة، بل نظروا إليها نظرة التمتع العاجل بها، وكفروا بخالقها، وجحدوا نعمته، ونسبوا ذلك إلى علمهم وحولهم وقوتهم وعقولهم؛ فاغتروا بها وطغوا ولم يعتبروا بمن قبلهم.

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا التفكر في مخلوقاته، والتدبر في آياته، وأن يجعل ما أفاء على البشرية من العلوم، والصناعات، والمخترعات، خيراً للإسلام ونصرةً له، ودفاعاً عن المسلمين وبلادهم، وأن يصرف عنهم شر ذلك، ونقمته وفتنته، كما نسأله تعالى أن يُوفِّق شباب المسلمين، وأن يبلغهم فيما يرضيه آمالَهم وطموحاتِهم إنه أعظم مسئول.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.