للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مكانة الصلاة في الإسلام]

أحمد الله جل وعلا، وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى، ورسوله المجتبى، بعثه بالدين الحق والهدى، ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أهل الفضل والتقى، ومن سار على نهجه.

أما بعد:

عباد الله: اتقوا الله كما أمركم بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

إخوة الإيمان في كل مكان: إن تقدم الأمم ونهوضها وسلامتها مما يعوق مسيرتها في طريق الرقي والحضارة، يكمن في تمسك أهلها بمبادئها ومثلها، والتزامهم بمناهجها ونظمها وآدابها، فإذا تخلت عن مقومات حضارتها وعوامل نهضتها، وتركت مبادئ أصالتها وقيم عراقتها، فإنها تتخلى بالتالي عن مقومات الأمن والسعادة، وعوامل النصر والقوة والكرامة، لتغرق في طوفان الفتن والمحن، وتعصف بها أمواج الحوادث والكوارث، وتعمها البلايا والمصائب، والأمة الإسلامية التي من الله عليها بالإسلام، عقيدةً وشريعةً وأخلاقاً ومنهاجاً، للحياة بأسرها حين تفرط في أمر هذا الدين، وتقصر في أداء شعائره، فإنها تتخلى بذلك عن ضمانات عزها وقوتها ومقومات نصرها وكرامتها؛ لتصبح أمةً ذليلةً مستضعفةً، لا يهدأ لها بال، ولا يقر لها قرار، عقوبة من الله جل جلاله لمن أعرض عن ذكره، وتخلى عن أمره، وتكبر على دينه وشرعه، وحينما يستقرئ المرء نصوص الشريعة، ويجيل نظره فيها، يدرك بجلاء حقيقة هذا الأمر وواقعيته.

وعوداً على بدء ثابت نضرب لذلك مثلاً في شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، وفريضة من أجل فرائضه ألا وهي الصلاة التي بلغ من رعاية الإسلام لها واهتمامه بها أن الله فرضها على رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من فوق سبع سماوات، وكانت خاتمة وصيته صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده من الدنيا.

روى الإمام أحمد وأبو داود عن أنس رضي الله عنه، قال: {كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة، وهو يغرغر بنفسه: الصلاة وما ملكت أيمانكم} كما بلغ من مكانتها وعظم شأنها أن من تركها مستخفاً بها، جاحداً لفرضيتها، فإنه كافرٌ بإجماع المسلمين.

ومن تركها بالكلية تهاوناً وكسلاً، فإنه كافرٌ على الصحيح من أقوال العلماء التي تعضده الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق إيرادها والإشارة إليها، ومع هذه المكانة العالية، والقمة السامقة لشأن الصلاة في الإسلام، التي تمثل مكانة الرأس من الجسد، فكما أنه لا حياة لمن لا رأس له، فكذلك لا دين لمن لا صلاة له، مع هذا كله وغيره مما تهتز له القلوب، وترجف له الأفئدة، وترتعد منه الفرائض نجد تقصيراً كبيراً، وتساهلاً عريضاً في شأن الصلاة من كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام.

وإن الناظر في واقع كثير من المسلمين، يرى الصلاة قد خف قدرها، وطاش ميزانها لدى كثير من الناس، بل إن المتأمل ليرجع مجروح الفؤاد حزين النفس حينما يرى ألا اهتمام بها في بعض بقاع المسلمين، وفي أماكنهم العامة إلا من قلة قليلة، وكأن الأمر طبيعي لا غضاضة فيه.

بل وصل الحال ببعضهم أن تأخذ منه الدهشة كل مأخذ حينما يسمع هذه المكانة العالية، وهذا الترهيب المرعب لتارك الصلاة، وما ذلك إلا نتيجة عدم العناية بشعائر الإسلام، والجهل بالدين، وانشغال المسلمين عن دينهم لما غزيت به مجتمعات المسلمين مما يصد عن تعاليم الدين الحنيف.

يا أمة الإسلام! أليس من العجيب أن تضيع أعظم فرائض الإسلام من أبناء الإسلام في بلاد الإسلام؟!

وكيف يرجى لأمة أن تحقق آمالها وتعالج آلامها، وتصلح حالها، وتهزم أعداءها، وقد فرط أهلها في أعظم مقومات النصر، وهو دينها وعقيدتها؟