للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[البدعة صورة أخرى لحرب الإسلام]

الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وشرَّفنا باتباع سيد المرسلين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الصادق الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله! وصفحة أخرى من صفحات الكيد للإسلام، تتمثل في تشكيك المسلمين في ثوابتهم، ودخول النقص عليهم في عقيدتهم، وبُعد كثيرٍ منهم عن مشكاة النبوة، ومنهج السلف الصالح رحمهم الله.

ومن ذلك: ما يعتقده بعض الناس من أن لبعض الشهور والأيام خصوصيةً على غيرها، من غير دليلٍ من كتابٍ ولا سنة رسول الله، ومن هذا ما يعتقده بعض الناس في شهر رجب من أن له خاصيةً على غيره من الشهور، فيفعلون فيه أموراً محدثة، ويعتقدون فيه اعتقاداتٍ خاطئة، ويخصصونه بأنواعٍ من العبادة، لم يكن عليها دليلٌ من كتاب الله ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا سار على ذلك السلف الصالح رحمهم الله.

وتخصيص شهر رجب، أو بعض أيامه ولياليه بصيام أو قيام أو نحوهما أمر محدث ليس له أصل في شريعة الإسلام، قال الإمام الحافظ ابن حجر رحمه الله: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا صيامه ولا في صيام شيء معين منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة حديثٌ صحيحٌ يصلح للحجة" وله -رحمه الله- رسالة قيمة في ذلك، ونحو قوله هذا قال علماء الإسلام المحققون، كشيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، والحافظ ابن رجب، والإمام النووي، والشوكاني وغيرهم رحمهم الله جميعاً، فبأي دليل بعد ذلك يحتج من يفعل هذه المحدثات، ألا فاتقوا الله -أيها المسلمون- وتمسكوا بدينكم، واتبعوا هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم، واحذروا الوقوع في كل ما يخالف السنة.

فخير الأمور السالفات على الهدى وشر الأمور المحدثات البدائع

أيها المسلمون! ألا وإن مما ينبغي التحدث به من نعم الله عز وجل، ما مَنَّ الله به علينا في هذه الأيام من نزول الغيث، وتلك نعمة الله عظيمة، نسأل الله أن يوزعنا شكرها قولاً وعملاً واعتقاداً، بأن الله وحده هو المتكفل -جل وعلا- بإنزال الغيث، وما يعتقده بعض العامة من أن للأنواء والكواكب تأثيراً في ذلك، فهذا مما يخدش العقيدة.

وقد ورد في الحديث الصحيح أن الله سبحانه وتعالى يقول: {أصبح من عبادي مؤمنٌ بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته! فذلك مؤمنٌ بي، كافرٌ بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا! فذلك كافرٌ بي مؤمنٌ بالكوكب}.

ألا فاتقوا الله عباد الله! واشكروه على عموم نعمه وآلائه، واستعينوا بها على ما يُحبه ويرضاه، لا بما يسخطه ويأباه، ثم صلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد بن عبد الله؛ كما أمركم ربكم جلَّ في علاه، فقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

اللهم صلِّ وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق أمامنا لما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للخير والبر والتقوى، اللهم ارزقه البطانة الصالحة، اللهم أصلح له بطانته وسريرته يا ذا الجلال والإكرام، ووفقه لما تحب وترضى يا حي يا قيوم، اللهم وفق جميع المسلمين للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم يا سميع الدعاء.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا حي يا قيوم.

اللهم وأظهر الهدى ودين الحق الذي بعثت به نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، على الدين كله ولو كره الكافرون، اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث بلادنا بالخيرات والأمطار، وقلوبنا بالإيمان واليقين يا حي يا قيوم، اللهم اجعل ما أنزلته قوتاً لنا على طاعتك وبلاغاً إلى حين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدمٍ ولا غرق، اللهم إنا نشكرك على نعمة الغيث، اللهم فعم بالغيث أرجاء بلادنا، وأرجاء بلاد المسلمين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم بارك لنا في رجبٍ وشعبان وبلغنا رمضان، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.

عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.