للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيف تصبح الأمور المباحة عبادة]

فالعبادة تشمل أعظم من العبادات والشعائر، بل هي تشمل كل أمر من الأمور إذا أخلصت فيه النية لله عزَّ وجلَّ.

فأكلك، وطعامك، وشرابك، ونومك، إذا قصدت به التقوي على عبادة الله عزَّ وجلَّ؛ فإنه عبادة من العبادات.

فالأمور -كما هو مقرر في مقاصد الشريعة وقواعد الاسلام- بمقاصدها، والعادات تتحول إلى عبادات إذا أخلصت فيها النية، بل إن كلام المسلم وعمله وجلوسه مع أهله، ومخاطبته لهم، ومعاشرته إياهم، كل ذلك عبادة من العبادات.

ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح كما في صحيح مسلم وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للصحابة رضي الله عنهم: {وفي بضع أحدكم صدقة}.

وقع ذلك في نفوسهم، وتعجبوا!! {فقالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر}.

فما أعظم نعم الله على عباده!

هذه الأمور التي لا يستغني عنها مسلم، بل هي أمور جِبِلِّيَّة لا تقوم الحياة إلا بها، يُؤجر بها إذا أخلص نيته لله عزَّ وجلَّ، بل إن سعي المسلم للحصول على الرزق، وإعفاف نفسه، وكفاف أهله، وإغنائهم عن تعرض الناس كل ذلك عبادة من العبادات، حتى ما تضعه في فِي امرأتك.

فسعي المسلم على أبنائه في طلب الرزق كل ذلك عبادة من العبادات إذا أُخلصت فيها النية لله عزَّ وجلَّ.

كذلك أعمال المسلمين: من وظائفهم، والقيام بواجباتهم وحقوقهم كل ذلك عبادة من العبادات إذا أُخلصت فيها النية لله عزَّ وجلَّ.

فالموظف في وظيفته، والكاتب في مكتبه، والعامل في معمله، والصانع في مصنعه، والتاجر في بيعه وشرائه، كل واحد منهم إذا قصد وابتغى وجه الله -سبحانه وتعالى- وقام بنُصحٍ وأمانةٍ بحق الله عليه، ثم حق ولاة الأمر عليه، ثم حق إخوانه المسلمين عليه؛ فإنه مأجور على ذلك والحمد لله.

الطالب في مدرسته، الذي يتردد عليها صباحاً كل يوم، إذا ذهب إلى المدرسة ابتغاء ما عند الله سبحانه، والرغبة في طلب العلم والاستفادة، وابتغاء وجه الله -عزَّ وجلَّ- في التحصيل العلمي، فإنه يُؤجر على ذلك.

كل من يقوم بأي عمل من الأعمال عليه أن يستشعر أن ثواب الله عظيم، وأن عليه ألا يدنس نيته بالأطماع الدنيوية، بل عليه أن يخلص نيته لله عزَّ وجلَّ، ويبتغي ما عند الله -جل وعلا- ويرجو ثواب الله -سبحانه- مع ما يأتي من ثواب الدنيا؛ لكن أجر الدنيا وثوابه تابع لثواب الآخرة، ولا ينبغي أن يكون المقصد دنيوياً فحسب؛ بل يجب علينا أن نُروضِّ أنفسنا على الإخلاص لله سبحانه، وأن نستشعر أن كل أعمالنا التي نقوم بها قد تدخل -جميعاً- في مُسمَّى العبادة، إذا أُخلصت فيها النية لله سبحانه وتعالى.