للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الانتفاع بالذكرى والعمل بالعلم]

أيها الإخوة في الله! الحديث طويل وطويل، ولكنه -ولله الحمد والمنة- واضح ومفهوم في أذهان كثير من الحاضرين، ولا أدعي في هذا المقام أني أتيت بجديد، وإنما كل كلامي تذكيرٌ لنفسي أولاً، ثم تذكير لكم؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- أمرنا بالتذكير، وبيَّن أن الذين ينتفعون بالذكرى هم المؤمنون، أما غير المؤمنين أو الذين ضعُف إيمانهم، فإنهم -والعياذ بالله- يسمعون ولكن لا يُؤثر ما يسمعونه.

إنني أيها الإخوة في الله! أدعو إلى العمل بما سمعتم، وأدعو إلى العمل بما تعلمون، فما نعلمه كثير؛ ولكننا نخالف في أعمالنا وتصرفاتنا، وحياتنا اليومية.

من الذي يقف حائلاً بين المسلم وبين قيامه بعبادة الله؟!

من الذي يلزمك ألا تحقق العبودية لله، لا سيما في نواحي العقيدة؟!

من الذي يدعوك إلى التساهل في أداء ما افترض الله عليك؟!

من الذي يدعوك إلى التساهل في عدم فهم هذه العبودية الصحيحة؟!

فالمسلمون مُطالَبون أن يعلموا ويعملوا، وكلنا نعلم أن هذه العبادة خُلقنا من أجلها، وكثير من الناس حينما تسأله أو تباحثه في هذا الأمر يجيبك، وقد يستدل لذلك بالآية المشهورة المَتْلُوَّة آنفاً: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] لكن! أين قيام المسلمين بعبادة الله؟! أين قيامهم بطاعة الله عزَّ وجلَّ؟!

لا ريب أن التقصير في ذلك واضح، ولا يدعي أحدٌ الكمال.

فيجب علينا -يا إخوتي في الله- أن نقوم بواجب الله علينا، وأن نقوم بواجب ديننا تجاهنا؛ فإن مسئوليتنا تجاه هذا الدين عظيمة وخطيرة، وكل على ثغر من ثغور الإسلام، كلٌّ يعتني بنفسه، يقومها على طاعة الله، يجاهدها بالعلم النافع والعمل الصالح، يُأثِرها على الحق الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، يبتعد عن المحرمات في نفسه وفي أهله وفي بيته وأسرته، يربي أبناءه وأسرته على الإسلام، وعلى حُبِّ الإسلام، وعلى العمل بالإسلام، وعلى فهم الإسلام الصحيح، وعلى الغيرة على الإسلام.

كل مسلم عليه واجب في هذا.

فيجب على المسلمين أن يُقدِّموا لدينهم، لا سيما في الوقت الذي يتكاتف فيه أعداء ديننا على المسلمين، فأنتم تعرفون وتسمعون وتدركون أن المسلمين مستهدفون في عقيدتهم، وفي عباداتهم، وفي أخلاقهم، وفي تمسكهم بسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام، فهذه العقائد الفاسدة، والمبادئ المنحرفة، والدعوات المضللة، وهذه الاتهامات الموجهة إلى الأمة الإسلامية إن هذه الأمور كلها تتطلب من المسلمين أن يعوا رسالتهم في الحياة، وأن يعوا واجبهم، وأن يضحوا في سبيل دينهم، ويجتهدوا غاية الاجتهاد بالعلم النافع، والعمل الصالح، وتربية الأُسر والأبناء على الإسلام؛ ليكون الجميع مجندين ومسلحين في خدمة الإسلام.

هذه أركانٌ من المنكرات والمحرمات ضد ديننا، وضد أخلاقنا، نسمعها كثيراً، ونراها، وتخالطنا في الأسواق والشوارع، والبيوت، فلماذا لا نغار على ديننا؟! ولماذا لا نتحرك في سبيل ديننا؟! ولماذا لا نعمل لآخرتنا؟!

يجب علينا أن نعمل للآخرة يا إخوتي في الله! فالحياة قصيرة، والأنفاس محدودة، وأنت مسئول يا بن آدم عن عمرك فيما أفنيته! وعن شبابك فيما أبليته! وعن علمك ماذا عملت فيه! وعن مالك من أين اكتسبته، وفيما أنفقته!

فماذا أعددت لهذه الأسئلة؟!

إنني ألفتُ النظر إلى محاسبة النفس، أن يحاسب كلُّ منا نفسه؛ فإننا نسمع كثيراً؛ لكننا نعمل قليلاً.

إلى متى يا إخوتي في الله التسويف؟! وإلى متى التثاقل؟! وإلى متى إلقاء التبعية على الآخرين؟! وإلى متى! وإلى متى! كل مسلم جندي للإسلام عليه أن يعمل له، وأن يقوم بعبادة الله عزَّ وجلَّ.

لكن الذي يؤسِفُ كلَّ مسلم، ويَقُضُّ مضاجع المسلمين؛ أن يكون أبناء المسلمين لا يعرفون رسالتهم، وأن يكون المسلمون لا يعرفون هدفاً لهم في الحياة، يسيرون كما تسير البهائم، ويعيشون كما تعيش الأنعام، لا يعرفون إلا مأكلهم، ومشربهم، ومنامهم، يلهثون في دنياهم، كلٌ يبحث عن الرفاهية، وتمتع نفسه وأسرته في غفلة عن الله والدار الآخرة.

المسئولية مسئولية المسلمين جميعاً، وأنا أحدث الحاضرين وأطالب كل مسلم أن يقوم برسالته، الرجال عليهم من الواجب العظيم ما عليهم، والمرأة في بيتها عليها من الواجب العظيم ما لا يخفى، والشباب عليهم من المسئولية والواجب تجاه أمتهم ما لا يخفى عليكم جميعاً، وكذلك العلماء وغيرهم؛ فكل مسلم على ثغر، وكل مسلم يجب عليه أن يُقدِّم لهذا الدين، ولا نترك إسلامنا يُنتهك، وحُرُماتنا تدنس، والمسلمون ساهون غافلون.

يجب علينا -جميعاً- أن نتحرك في الدعوة إلى الله, والقيام بعبادة الله، والتواصي بالحق والصبر عليه، والتعاون على البر والتقوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقصاء الشر عن أحيائنا، وعن بيوتنا ومجتمعاتنا، ليحصل للأمة الإسلامة الخير الذي وعدها الله به.

ولا يخفى عليكم واقع أمتكم؛ ولكن الفأل عظيم، والأمل كبير، والصحوة -ولله الحمد والمنة- تعم أقطار الدنيا؛ لكن علينا أن نكون على علم؛ لأن العلم أساس العمل، وأن نكون على بصيرة، وأن نكون على قدر من المعرفة والحكمة وبُعد النظر في كل أمر من أمورنا.

هذا؛ وأسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا وإياكم من عباده المفلحين، ومن حزبه الناجين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كما نسأله تعالى أن يُصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنَّ على ولاة الأمر باتباع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يرزق الجميع الفقه في دينه والبصيرة فيه، والعلم النافع، والعمل الصالح، وأن يصلح مجتمعات المسلمين، ويقيها من كل شر وبلاء وفساد، إنه على كل شيء قدير.

كما نسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل كلامنا وسماعنا حجة لنا لا علينا، وكلامكم وسماعكم الذي سمعتموه مسئولون عنه؛ فيجب عليكم أن تتذكروه، وأن تعملوا به.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن جمع بين العلم النافع والعمل الصالح؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

ونسأله تعالى أن يجمعنا في دار كرامته ومستقر رحمته، كما جمعنا في هذا المكان الطيب المبارك.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.