للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[استحضار عظمة الله]

السؤال

فضيلة الشيخ! كيف يستحضر المسلم عظَمة الله في كل أحيانه لكي يراقب الله في السر والعلن؟

الجواب

سؤال مهم؛ لأنه يتعلق بأمر لو صلح لحصل لهذا السائل ولغيره ما أراد.

المسلم القوي في إيمانه، القوي في يقينه بربه جلَّ وعلا، الصحيح قلبه، السليم الذي لم يُدنس بظلمات المعاصي والانحرافات، هو القلب الذي يستشعر عظمة الله عزَّ وجلَّ، ويجعل الإنسان في عبادةٍ دائمة، ويقظة تامة، وعدم غفلة عن الله عزَّ وجلَّ والدار الآخرة.

أما القلوب الغافلة البعيدة عن الله، التي تربعت الدنيا وشهواتها وزخرفها، ودنستها وران عليها الذنوب والمعاصي؛ فإنها مهما ذُكِّرت فإنها لا تستمر على ذلك إلا أن يهدي الله عزَّ وجلَّ قلب صاحبها.

فعلى كل حال! علينا جميعاً أن نُعنى بصلاح الباطن، وأن نعتني بصلاح القلوب، وأن نبتعد عن أمراض القلوب سواءً الشهوات والشبهات.

على المسلم أن يكون دائم الصلة بربه جل وعلا، يذكره في كل أحيانه، يتلو كتابه آناء الليل وأطراف النهار، يتذكر الدار الآخرة، يروِّض نفسه على العمل للآخرة وقصر الدنيا وفنائها.

على أخينا السائل -وعلينا جميعاً- أن نسعى في صلاح قلوبنا، ونسأل الله عزَّ وجلَّ دائماً وأبداً ذلك؛ فمتى صلحت القلوب صلحت سائر الأعمال، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {ألا إن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب}.

فالمسلمون -الآن- يُعانون من هذا المرض، وهو -والله- أشد من أمراض الأبدان، جدير أن يُعنى المسلمون اليوم بأمراض القلوب؛ لأنها هي الأمراض التي تُقْعِدهم عن سبب سعادتهم، ونجاحهم، وفلاحهم، وصحتهم في الدنيا والآخرة.

القلوب اليوم في غفلة عن الله عزَّ وجلَّ! ما أكثر الانحرافات! وما أكثر المعاصي القولية منها والفعلية التي يعايشها المسلمون، بل لا ينفكون عنها في حياتهم، والله المستعان.

فعلينا أن نُروض القلوب على طاعة الله سبحانه، وأن نلينها بتلاوة كتابه وكثرة ذكره وشكره، والصلة به جل وعلا؛ فإن من فعل ذلك حري أن يكون على صلة دائمة، وعلى تذكر تام، وعلى قيام حقيقي بالواجب الذي خلقه الله من أجله، ألا وهو جانب العبودية لله سبحانه وتعالى، وأترك لكل واحد أن يختبر قلبه، وأن يزن نفسه بميزان الشرع؛ ليرى مدى صحة قلبه من مرضه.

بعد سماعكم لهذه الكلمة التي لا أدعي أن فيها جديداً؛ لكنها ذكرى، مَن فتح الله عليه وعرف ما فيها، وعمل بما فيها، وسار في عبادة الله عزَّ وجلَّ، فإن قلبه سليم صحيح؛ فعليه أن يعبد الله عزَّ وجلَّ ويستمر على ذلك، ومَن خرج من هذا المكان كما دخل فيه، فإن عليه أن يُعاود نفسه، وأن يصحح قلبه؛ فإنه مريض.

علينا -جميعاً يا إخوتي في الله- أن نكثر دائماً من محاسبة أنفسنا، لا تمر بنا ساعة بل يوم، فما بالك بشهر أو سنة أو أعوام متتابعة، والشخص على حاله لم يتغير، بل والأمة على حالها لم تتغير والسبب: أننا استمرأنا ذلك الأمر، وتساهل كل واحد منا في صلاح نفسه، وإلا لو صلحتُ أنا وصلحتَ أنت، وصلح البيت هذا، والبيت ذاك، صلح المجتمع وهكذا.

لو وقف المسلمون يداً واحدة في الخير، ويداً واحدة على الشر، لصلحت الأحوال، وهذا -والحمد لله- أمرٌ ينبغي على المسلمين أن يُكثروا من العناية به، والحرص عليه، نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يرزقنا صلاح القلوب، وصلاح الأعمال، إنه على كل شيء قدير.

واقرءوا في هذا كتاباً قيماً للإمام ابن القيم رحمه الله، اسمه: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، واقرءوا كتابه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي؛ لتنظروا مدى تقصيركم في صلاح قلوبكم، ومدى استحكام المعاصي وأضرارها على النفوس، وعلى الأفراد، وعلى المجتمعات، واقرءوا في الموضوع الأصلي الذي هو موضوع العبادة، كتاباً قيِّماً جيداً جديراً بالعناية، هو كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد أماط اللثام عن معنى العبودية، وبيَّن مفهومها الواسع, وأكثر من الأمثلة والأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعمل السلف الصالح رحمهم الله تجاهها.

إن هذه الكتب وأمثالها جديرة بالقراءة والاستفادة والعناية بها، وجديرة أن تكون في بيت كل مسلم ومكتبته، وأن يكون طلاب العلم يقرءونها على أهليهم، وفي بيوتهم، وفي مساجدهم، ويستفيدوا منها؛ فإن فيها خيراً كثيراً.

نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يرزقنا جميعاً العلم النافع، والعمل الصالح.