للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب مرض القلوب]

والفتن التي تُعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشهوات، وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، وفتن المعاصي والبدع، وفتن الظلم والجهل.

ومدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم، وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان: الغضب والضلال، وهذان المرضان ملاك أمراض القلوب جميعها، وشفاء ذلك بالهداية العلمية، والهداية العملية وتكون بتحقيق التوحيد لله، وتجريد المتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

أمة العقيدة والإيمان! أتباع محمد عليه الصلاة والسلام! بالفهم الصائب لما سبق، والنظر الثاقب لما وقع ويقع في حياتنا المعاصرة ندرك أنه ما أصاب الأمة من شر وضلال وفتنة؛ إلا بسبب أمراض القلوب وعللها، وإذا حصل فساد القلب، فحدِّث ولا جناح عن العواقب السيئة التي تعود على الأفراد والأمم، وما حلت الضلالة وانتشرت الجهالة في أمر العقيدة والاتباع، وحصلت الفُرقة والاختلاط إلا بسبب أسقام القلوب التي أصبحت أوكاراً للشياطين، وبؤراً للأهواء، وما عمت المنكرات في الأشغال والأخلاق والأقوال، وكثر القتل، والوقوع في الزنا، والجرائم، والتعامل بالربا، وسائر المحرمات؛ إلا بسبب إقفار القلوب من طاعة الله، وفتنتها بحب العاجلة.

وبالجملة: فكل فساد حل بالأمة مرده إلى أمراض القلوب، وما ران عليها من ظلمات المعاصي.

وما شيوع الأمراض النفسية، والتوترات العصبية، والأسقام الاجتماعية، وانتشار القلق والمس والهموم والوساوس؛ إلا بسبب الوقوع في المعاصي والذنوب، على اختلاف أصنافها، وتعدد مصادرها، واختلاف وسائلها، التي تقضي على القلب، وتميت الشعور الإسلامي، والحس الإيماني فيه، وتزرع فيه الفسق والضلال والفساد.

ولله در عبد الله بن المبارك حيث قال:

رأيتُ الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

ومن الغريب حقاً: إعراض الناس عن الاهتمام بعلاج أمراض القلوب، وانصرافهم الكلي إلى الاهتمام بصورهم وأجسامهم، فلو أصيب أحدهم بأدنى مرض في جسده؛ لأقام الدنيا بحثاً عن أمهر طبيب، وأفخم مستشفى، بينما الأمراض الحقيقية المعنوية، أمراض القلوب والأرواح قد أهملت، فعاد الأمر كما ترى، يسر العدو ويحزن الصديق.

ولعل ما سبق من وضع لمسات على هذا الموضوع الخطير من حيث الأهمية، والأسباب والعلاج، ونظرة السلف له، وواقع الناس فيه، كافٍ في أن يهتم كل واحد منا بفحص قلبه, ومحاسبة نفسه في هذا الأمر؛ ليعلم بقدر مواقعته المعاصي فإنما يجلب الفساد لقلبه، والناس في ذلك بين مُسْتَقِلٍّ ومستكثر، وليعم الصلاح والخير والفلاح نسأل الله أن يصلح فساد قلوبنا.

اللهم يا مصلح الصالحين، أصلح فساد قلوبنا، واغفر لنا ذنوبنا، إنك جواد كريم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.