للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية التركيز على التوحيد ولا يلزم من ذلك إهمال غيره]

السؤال

يوجد أناس يقولون: التوحيد قبل كل شيء، فلا تطلب العلم إلا بعد التوحيد، وبعد ذلك تعلم ما بدا لك.

فتجده جاهلاً في كثير من أمور دينه؛ لأنه أهملها وركز على التوحيد، فما الحكم في هذه الحالة؟

الجواب

هذه الحالة وغيرها ينبغي أن ينظر فيها من خلال ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم، ما هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما هي سيرته في هذا الأمر؟ فنقول: لاشك أن تحقيق التوحيد وبناءه والتركيز عليه لابد منه، لكن لا يلزم من التركيز على التوحيد إهمال غيره، ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات والدين كامل، فبعد فرض الصلاة هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا جاء رجل وأسلم قال: علموه التوحيد والبعد عن الشرك ثم إذا جاء بعد شهرين أو ثلاثة ائتوا به نعلمه الصلاة؟ لا.

وإنما كان صلى الله عليه وسلم إذا شهد عنده الرجل شهادة الحق علمه الوضوء والصلاة؛ لأن الوضوء والصلاة توحيد.

فالانفكاك بين هذه الأمور خطأ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما ارتدت الجزيرة العربية وانتقل صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وتولى الخلافة من بعده أبو بكر ماذا فعل المرتدون؟ قسم من المرتدين اتبعوا المتنبئين الكذابين، فهؤلاء منكرون لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، أو مقرون معها بنبوة غيره فهم مرتدون.

وقسم منهم قال: نحن على الإسلام، ونؤدي الصلاة، لكن هذه الزكاة لا نؤديها.

فماذا صنع أبو بكر؟ هل قال أبو بكر: أهم شيء عندنا التوحيد أهم شيء عندنا أن يقروا، فما دام أنهم يقرون بنبوة محمد فهذا الذي نركز عليه؟! ولما احتج عمر على أبي بكر -كما هو معروف- بحديث: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)، ورأى بعض الصحابة أن يترك هؤلاء الذين منعوا الزكاة ولا يقاتلون على منع الزكاة قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة.

وقاتلهم على ذلك.

ففعل أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه قد أجمع عليه الصحابة فيما بعد، فصار إجماعاً منهم، فيعد سنة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)، ويقول: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر).

لهذا فإنني أقول: إن مثل هذه القضية -وهي قضية التركيز أو عدم التركيز- يخطئ بعض الناس في فهمها وفي تطبيقها أحياناً، وإلا فلا أظن أن هناك إنساناً يفقه دين الله ينازع في أن الأمر لابد أن يبنى على العقيدة، وأنك حينما تجد مجتمعاً ضعفت فيه العقيدة أو كثرت فيه الشركيات أنه يجب عليك أن تركز على هذه الشركيات، لكن مع ذلك تدعوهم إلى الله عز وجل.

فشعيب دعا قومه إلى (لا إله إلا الله) ودعاهم فقال: {وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود:٨٤]، والأمر -إن شاء الله- واضح.