للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الحب في الله والحب مع الله]

ننتقل إلى الفقرة الثانية: وهي الفرق بين الحب في الله والحب مع الله، وهذه قاعدة مهمة لابد من إدراكها وفهمها؛ حتى نميز هذه القضايا التي نتحدث عنها.

فالحب في الله هو كمال الإيمان، والحب مع الله هو عين الشرك، والفرق بينهما كما يقول ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب (الروح): إن الحب في الله تابع لمحبة الله، فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه الله، فإذا أحب ما أحبه ربه ووليه كان ذلك الحب له وفيه، كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأولياءه لكونه تعالى يحبهم، ويبغض من يبغضهم لكونه تعالى يبغضهم، وعلامة هذا الحب والبغض في الله ألا ينقلب بغضه لبغيض الله حباً؛ لإحسانه إليه وخدمته له وقضاء حوائجه، ولا ينقلب حبه لحبيب الله بغضاً إذا وصل إليه من جهته ما يكرهه ويؤلمه، إما خطأ وإما عمداً، مطيعاً لله فيه، أو متأولاً، أو مجتهداً، أو باغياً نازعاً تائباً.

وهذا الذي ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى مهم جداً، فإن بعض الناس قد يكون عنده حب في الله، لكن سرعان ما ينتكس هذا الحب في الله إذا وجد ممن يحبه ما يكرهه، وأحياناً يكون ذلك لأمر شرعي، مثل أن يأمره بمعروف أو ينهاه عن منكر أو نحو ذلك، وكذلك أيضاًً العكس؛ فإن بعض الناس قد يبغض في الله لكن سرعان ما ينتهي هذا البغض إذا أحسن إليه ذلك المبغض، وهذا هو أساس مشكلة الحب في الله والبغض فيه في زماننا الحاضر، فإن انتكاس الموازين في هذه المسألة إنما ينشأ من الإحسان أو أنواع من العداوة الدنيوية.

فالكافر إذا أحسن إلى بعض الناس ربما انتقل بغضه له وكرهه له إلى محبة، وكذلك أيضاً المؤمن الصادق إذا بدرت منه لأخيه بادرة يكرهها فلربما انتقل في حبه إلى بغض، وهكذا تنتكس الموازين في هذه المسألة العقدية العظيمة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ثم ينبغي أن نعلم جميعاً ونحن نفرق بين الحب في الله والحب مع الله، أن الحب في الله تابع لحب الله، فالإنسان يحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحب المؤمنين، ويحب الطاعات؛ لأن الله تبارك وتعالى يحب هذه الأشياء جميعاً.