للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من مصادر التلقي: العقل الموافق للنقل]

المصدر الرابع: هو دلائل العقول، وينبغي أن نعلم أن كثيراً من الناس ربما يفهم أن مذهب السلف رحمهم الله تعالى إنما هو الرجوع إلى الكتاب والسنة عن طريق الخبر فقط، وأما العقول فإنه لا مدخل لها في هذا الباب، وهذا فهم خاطئ تماماً، فإن السلف رحمهم الله تعالى يعتمدون على الكتاب والسنة في فهم ما يدل عليه الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك أن العقل لا مدخل له في هذا الباب، وإنما يقولون: إذا تعارض العقل والنقل ظاهراً -وهما في الحقيقة لا يمكن أن يتعارضا- فالواجب تقديم النقل على العقل؛ لأنه أسلم، والعقل الذي يدعي أولئك المتكلمون والفلاسفة وغيرهم أنه مصدر مستقل في باب العقائد، وفي باب الإيمان والدين، هذا العقل لم يجتمعوا عليه ما هو: هل العقل هو الغريزة التي تميز الإنسان عن الحيوان؟ أم أن العقل هو العلوم الضرورية التي يصدق بها الجميع كالقول بأن الواحد نصف الاثنين وأن الكل أكبر من الجزء؟ أم أن العقل هو العلوم النظرية التي تحصل بالنظر والاستدلال ونحوها؟ ما هو العقل عند هؤلاء؟ لقد اختلفوا اختلافاً كبيراً في تحديد ذلك العقل، واختلافهم هذا أدى إلى تباين آرائهم وأقوالهم في هذا الباب، ومن ثم كان السلف رحمهم الله تعالى يجعلون للعقل دوره المناسب له، ولا يرفعونه فوق منزلته، ويجعلونه مستقلاً كما فعله أولئك المنحرفون، وليسوا من الذين يلغون العقل إلغاءً تاماً، وإنما يضعونه في منزلته الصحيحة له.

وهذا ابن قتيبة رحمه الله تعالى في كتابه: تأويل مختلف الحديث يقول مبيناً ضلال أولئك: وقد كان يجب على ما يدعونه من معرفة القياس وإعداد آلات النظر ألا يختلفوا كما لا يختلف الحساب والمساح والمهندسون؛ لأن آلاتهم لا تدل إلا على عدد واحد، وإلا على شكل واحد، فما بالهم -أي: أهل الكلام والفلسفة- أكثر الناس اختلافاً، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد من الدين؟! وهذا يعطيك أن القول باستقلال العقل في باب الدين هو قول يؤدي إلى الضلال والانحراف.

السلف رحمهم الله تعالى كما في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يعتمدون على النقل الذي جاء بالدلائل العقلية، والله سبحانه وتعالى ضرب الأمثال وأمرنا أن نعتبر بالأمم من قبلنا؛ لأن أولئك الأمم لما خالفوا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم جرى لهم ما جرى، ونحن أيضاً إذا فعلنا مثل فعلهم وخالفنا أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فسيجري علينا مثل ما جرى عليهم.

كذلك أيضاً بين الله سبحانه وتعالى أدلة البعث بعد الموت بأدلة عقلية، وأمثلة مضروبة توضح للإنسان أن الله سبحانه وتعالى قادر على البعث، وأنه يبعث من في القبور، وأن الناس لا بد أن تكون لهم رجعة يقفون فيها بين يدي ربهم تبارك وتعالى.