للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أدلة مرتبة المشيئة]

مرتبة الإرادة والمشيئة -الإرادة الكونية والمشيئة الكونية- المقصود بهذه المرتبة أنه يجب على المؤمن قضيتين: أن كل ما يقع في هذا الكون فهو بمشيئته تبارك وتعالى فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

وأنه لا يخرج شيء عن مشيئته مهما كان.

إذاً: مشيئة الله شاملة نافذة عامة في كل ما يقع في هذا الكون.

ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [المائدة:٤٨]، فلو شاء الله تبارك وتعالى لجعل الناس أمة واحدة لا يختلفون أبداً؛ لكن شاء الله أن يبتلينا بالتفرق فنفذت مشيئته.

ويقول تبارك وتعالى في قصة شعيب لما قال له قومه: {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [هود:٣٢ - ٣٣].

وأيضاً يقول تبارك وتعالى عن موسى أنه قال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف:٩٩]، وقال موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:٦٩]، وقال الله تعالى لنبيه: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:٢٣ - ٢٤].

ويقول تبارك وتعالى: {قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦].

ويقول تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:٦].

ويقول تبارك وتعالى في باب الإرادة الكونية: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:١٢٥].

إذاً: هذه المشيئة والإرادة الكونية هي شاملة لكل شيء، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [الأنعام:٣٥]، كما قاله تعالى مخاطباً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن الأحاديث الواردة في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا في صحيح البخاري -: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء)، فأمر بالشفاعة، وأخبر أن الذي سيقع هو ما شاءه الله سبحانه وتعالى.

والنبي صلى الله عليه وسلم أقر علي بن أبي طالب حين سأله الرسول هو وزوجه فاطمة رضي الله عنهما وقال لهما: (ألا تصليان؟ فأجابه علي بقوله: أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال علي: فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئاً، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤])، فالشاهد هنا إثبات المشيئة؛ لأن علياً احتج بالمشيئة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كأنه لم يرض بهذا الاحتجاج وإن كان حقاً، ومن ثم قرأ: ({وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} [الكهف:٥٤]).

وللعلماء أقوال حول معنى هذا الحديث منها: أنه قال ذلك تسليماً لعذرهما، وأنه لا عليهما.

ومنها: أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته إلى آخره.

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن قلوب العباد -أو قلوب بني آدم- كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).

وأيضاً لما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أجعلتني لله نداً؟ -وفي بعض الألفاظ: أجعلتني لله عدلاً؟ - بل ما شاء الله وحده)، فالنبي عليه الصلاة والسلام ينفي أن تكون له مشيئة مع مشيئة الله، وإنما المشيئة هي مشيئة الله وحده، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ويقول تعالى عن سائر العباد: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:٣٠]، فمشيئة العباد إنما هي داخلة تحت مشيئة الله تبارك وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>