للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خبرة سعد بن معاذ بحلفائه اليهود]

ولما استقر لـ سعد المقام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقر قيادته في بني قريظة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احكم فيهم يا سعد! فقال: الله ورسوله أحق بالحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد أمرك الله أن تحكم فيهم).

غير أن سعد بن معاذ وقد علم تفاؤل قومه في الحكم في حلفائه من اليهود أحب أن يستووا في قانون الجميع، ووقف الشاب الجريح في المعسكر، ووجه حديثه إلى قومه الأوس خاصة وإلى من في المعسكر عامة قائلاً: (عليكم عهد الله وميثاقه أن الحكم كما حكمت؟ قالوا: نعم)، ثم اتجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى الناحية التي هو فيها وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالاً له وإكباراً، وأشار إلى الخيمة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية أنه أشار إلى بني قريظة المحجوزين جانباً في المعسكر ليستنطق منهم أيضاً، وقال لهم: (أترضون بحكمي؟ قالوا: نعم).

كان هؤلاء اليهود قد بقي لديهم شيء من الأمل بعد أن علموا أن حلفاءهم الأوس قد بذلوا وساطتهم لدى الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ليخفف من عقوبتهم، وأنه نتيجة لهذه الوساطة قد جعل أمر هؤلاء اليهود لسيد حلفائهم سعد بن معاذ.

وصدر الحكم من سعد، وانتظر الجميع قبل ذلك لحظات رهيبة، انتظروا سعداً ليعلن الحكم النهائي في هؤلاء اليهود، وقد كان الجميع لا يعلمون ما هو الحكم الذي سيصدره سعد، وإذا كان سعد حليفاً ليهود بني قريظة في الجاهلية فقد كان أيضاً خبيراً بحلفائه من اليهود، أليس هؤلاء اليهود هم الذين أسمعوا سعداً في أثناء غزوة الأحزاب وقد أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع وفد يطلب منهم الوفاء بالعهد؛ فأسمعوه ومن معه شتم النبي صلى الله عليه وسلم، حيث ردوه رداً قبيحاً؟ أليسوا هم الذين نقضوا العهد وانضموا إلى الأحزاب، فصارت خطوط المسلمين من الخلف مكشوفة لهم؛ حيث أصروا على المشاركة الفعالة لاستئصال شأن المسلمين مغتنمين استحكام المحنة حين تحزبت عليهم الأحزاب؟ ألم ينصح سعد هؤلاء اليهود -وهم حلفاؤه- أن يبقوا على عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطلب ألا ينقضوا وألا يغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنهم كما سمع سعد أجابوه جواباً فاحشاً، وهم في نشوة الفرح بإطباق الأحزاب على المسلمين، وكان مما قالوه: ومن هو رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد؟ الخلاصة: أن سعداً كان خبيراً بهؤلاء اليهود في طباعهم وما جبلوا عليه، وكان أيضاً مدركاً لمقدار الغدر والخيانة ونقض العهود الذي وقع فيه بنو قريظة.

<<  <  ج: ص:  >  >>