للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قوله تعالى: (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)]

ويقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣]، وهذه جرت في قصة موسى مع قومه من بني إسرائيل كما نعلم جميعاً في سورة المائدة، فإن الله سبحانه وتعالى لما نجى بني إسرائيل من فرعون وقومه ذهب بهم إلى ديار فلسطين، ثم إنهم لما أقبلوا على الأرض المقدسة كان يحكمها أناس يقال لهم: (العماليق الجبابرة)، فقال موسى لقومه -كما أخبرنا الله تبارك وتعالى-: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة:٢١]، إذاً: موسى يأمرهم، وأمر الرسول واجب الطاعة، ويبشرهم بأن الله كتبها لهم، ويقول: {وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة:٢١]، لكن اليهود أبوا، وقالوا: {يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} [المائدة:٢٢]، لكن لم يكن قوم موسى كلهم على هذه الحال، بل كان فيهم من عباد الله المؤمنين.

{قََالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:٢٣]، لكنهم لم يسمعوا لكلام موسى ولا لكلام الرجلين، وقالوا -كما أخبرنا الله-: {يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:٢٤]، نعوذ بالله من الجبن! وكيف نقارن حال هؤلاء مع حال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما واجهوا المشركين في بدر، ولم يكونوا خرجوا للجهاد والقتال وإنما خرجوا لطلب العير؟! أولئك الصحابة لما استشارهم النبي صلى الله عليه وسلم في الدخول في المعركة تكلم أبو بكر وتكلم عمر فقالا خيراً، ثم تكلم الأنصار، وقال سعد: (والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد).

وقال المقداد رضي الله عنه وأرضاه: (امض -يا رسول الله- لما أمرك الله به)، ثم ذكر أنهم صبر عند اللقاء صدق في الحرب، ثم قال: (والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.

ولكننا نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون)، هذا هو صدق الإيمان وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى والاعتصام به، والله تعالى يقول: {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:١٢٢]، أي: على الله وحده لا على غيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>