للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوكل على الله سبب في عون الإنسان على فعل الأوامر واجتناب النواهي]

ومن ثمرات التوكل أن التوكل على الله سبحانه وتعالى يكون سبباً لأن يقوم الإنسان بما أمر الله به من فعل الأوامر واجتناب النواهي، فالإنسان ضعيف تحيط به الوساوس والشياطين، ويضعف عن الصلاة، ويضعف عن الإتيان بها في أوقاتها، ويضعف عن فعل ما أمر الله، ويضعف عن ترك ما نهى الله سبحانه وتعالى من المعاصي، ولكن التوكل على الله سبحانه وتعالى يبني في قلب العبد المؤمن ما يجعله يقوم بما أمره الله به ويجتنب ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه على الوجه الأكمل.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن النفس لا بد لها من جلب المنفعة ودفع المضرة، فإن لم تكن متوكلة على الله في ذلك واثقة به لا يمكن أن تنصرف عن ذلك فتمتثل الأمر مطلقاً، بل لا بد أن تعصي الأمر في جلب المنفعة ودفع المضرة، فلا تصح العبادة لله وطاعة أمره بدون التوكل عليه، كما أن التوكل عليه لا يصح بدون عبادته وطاعته، قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود:١٢٣]، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

فالعبادة لا تتحقق إلا بالاستعانة، فأنت تريد أن تعبد الله على الوجه الحق، لكن كيف تعبده وأنت غير مستعين بالله؟! لا يمكن، فلا بد من الاستعانة بالله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:٢ - ٣]، {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل:٨ - ٩].

(تبتل إليه) اعبده، ومتى؟ إذا علمت أنه رب المشرق والمغرب واتخذته سبحانه وتعالى وكيلاً، وكفى بالله وكيلاً.

يقول شيخ الإسلام بعد ذلك: والمقصود أن امتثال الأمر على الإطلاق لا يصح بدون التوكل والاستعانة، ومن كان واثقاً بالله أن يجلب له ما ينفعه ويدفع عنه ما يضره أمكن أن يدع هواه ويطيع أمره، وإلا فنفسه لا تدعه أن يترك ما يقول: إنه محتاج فيه إلى غيره.

وهنا يلاحظ على أحوال الناس عندما تأتيهم المحن ويخافون على أنفسهم، يلاحظ عليهم أمران على ضوء هذه الثمرة من ثمرات التوكل: الأمر الأول: أن الإنسان الذي كان يحرص على الصلاة في أول أوقاتها يتابع الإذاعة والتلفاز، وينظر ماذا جرى، خوف ورعب في نفسه، بينما الإنسان في حال المحنة والخوف يلجأ إلى الله ويفعل الأسباب، لكن الناس انصرفوا، حتى إن الإنسان ليجد أحياناً المرأة في بيتها التي كانت تستمع الشريط الإسلامي وكانت تستمع إلى إذاعة القرآن وقراءة القرآن وفتاويه يجدها قد انصرفت وانشغلت بغير ذلك، تتابع الأخبار، وتتحدث في الهاتف عما جرى وعما سيجري وما هو متوقع، وصار الناس كلهم يحللون الأحداث حتى العوام والصبيان، ولا يعني ذلك أن الإنسان لا يتابع الأحداث، الإنسان من لحم ودم، وعاطفة وقلب وروح، لكن أن يكون حال الناس وقت المحنة أضعف من حالهم قبلها فهذا خطر، بل يجب أن يكون حال الإنسان عندما يشتد به الأمر أن يكون قربه من الله وتوكله على الله، وقراءته للقرآن، واعتصامه بالله، وتدبره لآيات الله، ودراسته لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرصه على العلم وطلبه، وعلى تربية أسرته وبنائها، وعلى توجيه الناس، وعلى الدعوة إلى الله، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي غيرها من الأمور أن يكون حرصه عليها أكثر مما سبق؛ لأنه أحوج إلى الله سبحانه وتعالى.

وفي حديث عبد الله بن عباس الذي ذكرناه قبل قليل يقول له النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة)، فإذا عرفك الله في الشدة أعانك على عبادته وطاعته والاعتصام به، وأزال عنك الخوف والرعب.

الأمر الثاني الملاحظ على الناس في وقت المحن: أن بعض الذين بيدهم الأمر إذا فعلوا بعض الأسباب قد يخطر في قلوبهم أن هذه الأسباب كافية لوحدها لمنع الشر والفتنة، فيتوكلون عليها، ويظنون أنها هي التي نفعتهم وهي التي أبعدت الشر عنهم، ويستقر هذا الأمر في نفوسهم، ومن ثم فتجد الواحد من هؤلاء يقطع أو تضعف صلته بالله سبحانه وتعالى وما ينبغي أن يكون عليه به من الثقة في زمن المحنة حتى يمنع الله عنه الشر والفساد، تجد هؤلاء يظن الواحد منهم أنه ما دمنا اتكلنا على هؤلاء في هذا الأمر كفى.

إذاً ينبغي أن نغير أحوالنا، وأن نتدبر حالنا والمعاصي المنتشرة فينا فنمنعها.

ونوثق صلتنا بالله وبالعلماء، حتى نغير تغييراً حقيقياً، هل نحن نفعل شيئاً من هذا الآن؟ لا.

هذا الأمر الآن أمر ثانوي، وهذا الأمر الذي استقر في بعض النفوس خطير جداً؛ لأن الله تبارك وتعالى يبتلي عباده ويمتحنهم، فإذا جاءتهم الآيات ولم يعتبروا بها فإن الأمر مؤذن بخطر ربما يأتي من طريق لا يحسب الإنسان حسابه، وهذه مشكلة، أن يستقر في النفوس أن هذه الأمور المتعلقة بإسلامنا وديننا وتحكيم شرعنا يكفي فيها ما نحن فيه ولا داعي للتغيير.

<<  <  ج: ص:  >  >>