للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معرفة الأعداء قدر القرآن والإسلام]

إن الإنسان ليعجب من تأثير هذا القرآن حتى على كبار الأعداء، ولولا أنهم أحسوا بعظمة هذا القرآن وروعته وعظيم أثره لما حذروا منه هذا التحذير الذي يدل على مبلغ معرفتهم بأثر هذا القرآن في النفوس، وإنها والله لمفارقة عجيبة أن يدرك أعداؤنا من عظمة هذا القرآن ما لا ندرك، وأن يعملوا جاهدين على طمس ومحو آثاره في العباد والبلاد؛ لأنهم يخافون من هذا القرآن، ولأنهم يعرفون عظيم أثره في الأمة حين تعود إليه وتحيا به.

إنها لمفارقة عجيبة أن يعرفنا أعداؤنا قدر القرآن والإسلام، ونحن في مقابل ذلك لا ندرك من ذلك إلا قليلاً، وتأمل هذه القصة في السيرة النبوية، فقد روى ابن إسحاق قال: حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلساً يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا، وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا؛ فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفوسهم شيئاً ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل إلى مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض مثلما قالوا أول مرة، ثم انصرفوا.

حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه، فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا، فجمعهم الطريق، فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد أن لا نعود.

وتعاهدوا على ذلك، ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: يا أبا ثعلبة! والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها، وما عرفت ما يراد بها.

قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به.

قال: ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم! ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ فقال: ماذا سمعت؟! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه وحي من السماء، فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نطيعه.

لقد كان هؤلاء الصناديد في وقت الشرك -ومنهم من مات على الشرك بعد ذلك، ومنهم من هداه الله إلى الإسلام- يغالبون أنفسهم أن تهفوا إلى هذا القرآن، فتغلبهم إلا أن يتعاهدوا على عدم العودة إليه مرة أخرى، لقد أدركوا وسحروا، لقد أدركوا عظمة هذا القرآن، فصاروا يتعاهدون ويرجعون وهم قادة قريش وقادة الكفر والجاهلية في ذلك الوقت، فيجتمعون على سماع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا كفار الأمس أدركوا حقيقة القرآن، فعملوا على صرف الناس عن القرآن، وكفار اليوم -أيضاً- أدركوا هذه الحقيقة العظيمة.

فهل تعلم أن من الكفار اليوم من يحفظ القرآن عن ظهر قلب وهو كافر؟! وهل تعلمون أن من الكفار من يفني عمره في دراسات عن القرآن؟ هل تعلم أن من الكفار من يعلمون حقيقة عظمة هذا القرآن وأثره في نفوس الناس وفي نفوس المسلمين؟! ومن ثم فهم يحذرون من هذا القرآن، ويعملون جاهدين على صرف أمة الإسلام عن هذا القرآن، لقد صرحوا بذلك في عدد من المناسبات، وقال بعضهم: مادام هذا القرآن والكعبة منصوبة في بلاد المسلمين لا نستطيع القضاء عليهم، ولن يقر لنا قرار.

هكذا قال أعداء الإسلام.

أيها الأخ الحبيب! إنها مفارقة عجيبة أن يعلم أعداؤنا عن عظمة ديننا وقرآننا ما لا نعلمه، وأن يدركوا ما لا ندركه، إنها مفارقة عجيبة ينبغي أن نتأمل فيها، ونحن نحاول أن نحيا بالقرآن مرة أخرى.

إنه -كما قلنا ونقول وسنقول- لا خيار لهذه الأمة وهي اليوم على مفترق الطرق، فإما أن تعود إلى ربها وقرآنها ودينها وإلا كانت الأخرى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨].

اللهم! اجعلنا ممن يحيا بالقرآن، اللهم! اعمر قلوبنا بالقرآن، اللهم! املأ قلوبنا وقلوب أسرنا وأولادنا بالقرآن، وأفرغها من الأغاني واللهو العبث، واجعل مكانها قرآناً يتلى ويحفظ ويعمل به يا رب العالمين.

اللهم! أبرم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمر رشد تعود فيه إلى دينها وإلى كتابها.

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين المجاهدين في كل مكان.

اللهم! دمر أعداء الدين؛ اللهم! دمر أعداء الدين.

اللهم! من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه يا رب العالمين، اللهم! اشغله بنفسه، اللهم! اشغله بنفسه، اللهم! اجعل كيده في نحره يا سميع الدعاء.

اللهم! إنا نسألك أن تكفي المسلمين جميعاً شر أعدائهم مشرقاً ومغرباً.

اللهم! اكف المسلمين في البوسنة والهرسك وفي كل مكان شر أعدائهم يا رب العالمين.

اللهم! دمر اليهود وأعوانهم، والنصارى وأشياعهم، والمنافقين والعلمانيين، وكل ملحد لا يؤمن بالقرآن ولا بيوم الحساب.

اللهم! إنا نسألك أن تقر أعيننا وأعين المسلمين جميعاً بنصرة الإسلام يا رب العالمين، وخذلان أعدائه يا قوي يا عزيز.

اللهم! إنا نسألك أن تصلي على نبينا محمد، اللهم! صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأخص منهم الأربعة الخلفاء، والعشرة المبشرين، وأزواجه وآل بيته الطيبين الطاهرين، وبقية الصحابة أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.

اللهم! واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>