للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القرآن الكريم مصدر من مصادر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم]

ومصادر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرة جداً.

وأولها: القرآن الكريم، والقرآن الكريم هو كتاب الله ووحيه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ولأن القرآن الكريم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً حسب الأحوال والحوادث فإن هذا الكتاب الكريم كان تطبيقاً عملياً لما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بدءاً بدعوته إلى أن انتقل عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، ومن ثمَّ فإن القرآن الكريم يتميز عن غيره من المصادر بعدة ميزات: أولاها: أنه كلام الله، فمدارسته عبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا فقال: (من قرأ حرفاً من كلام الله كان له به عشر حسنات)، فكون الإنسان يقرأ القرآن ويتدارسه هو عبادة أولاً.

الميزة الثانية: أن في القرآن العظيم إشارات تفصيلية لبعض الأحداث في السيرة النبوية لا يمكن أن نجدها في كتب السيرة الأخرى، ومن تدبر كلام الله سبحانه وتعالى سيجد ذلك واضحاً بيناً، فمن قرأ سورة التوبة وكيف قص الله علينا ما جرى في غزوة تبوك، أو قرأ سورة آل عمران وما جرى في غزوة أحد، أو قرأ سورة الأحزاب وما جرى في غزوة الأحزاب؛ سيجد في هذه الآيات القرآنية من التفاصيل ما لا يجده في كتب السيرة النبوية.

والميزة الثالثة للقرآن وكونه مصدراً مهماً لسيرة النبي عليه الصلاة والسلام: أن القرآن فيه ربط عجيب بين سير الحدث وقصة الحدث وربطه بالعقيدة والإيمان والقضاء والقدر، بمعنى: أن كتب السيرة تسرد عليك الأحداث سرداً، لكن إذا قرأتها من القرآن العظيم تجده يعقب عليها بتعقيبات تزن هذه الأحداث وتقومها، وتربطها بالملك العلي جل جلاله، وما دام الأمر كذلك فأنت حينما تقرأ الآيات المتعلقة ببعض أحداث سيرته صلى الله عليه وسلم، تجد ربطها بالإيمان بالله وبأسمائه وصفاته وبما كتبه الله وقدره وبعلامات الإيمان، وتجد فضح المنافقين وأحوالهم وأوصافهم إلى آخره.

الميزة الرابعة: أن السيرة أحياناً تكون مرتبطة بزمان أو مكان أو حدث معين، ولكن في القرآن العظيم تتحول هذه الحادثة من قصة معينة إلى درس كبير ومنهج متكامل يتعدى ظروف الزمان والمكان، ويتعدى ظروف الحدث، ومن ثمَّ يأتي في هذه الآيات الكريمات تحليل لهذا الحدث وتعقيب عليه؛ بحيث يتحول إلى درس يقرؤه الإنسان ولا يمله إلى يوم القيامة، وهذه ميزة القرآن العظيم أنه لا يمله الإنسان، ولا يخلق من كثرة الرد أبداً.

الميزة الخامسة: أن هناك أحداثاً جاءت في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن جاء تفصيلها في القرآن أكثر مما جاء في السيرة، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش وزواجها قبله من مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، فإن الله ذكر ذلك في قصة الأحزاب بما لا نجد تفاصيله وتعقيباته في غيره من كتب السيرة.

الميزة السادسة: أن كتاب الله سبحانه وتعالى وهو يذكر هذه الأحداث يركز على خصائص سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فيركز على عموم رسالته، وعلى أن مهمة الرسول هي البلاغ، كما أنه يركز على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر وليس ملكاً، كما أنه يبين أن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده، وهكذا.

وينبغي أن نعلم أن مدارسة هذا القرآن العظيم وتتبع السيرة النبوية من خلاله لابد لها من أمور، فلابد من مراجع، ومن أهم هذه المراجع كتب التفسير، ومن أهم كتب التفسير تفسير الطبري وتفسير ابن كثير رحمهما الله تعالى، ثم يأتي بعد ذلك كتب أسباب النزول وغيرها.

وأود أن أشير بهذه المناسبة إلى أن أحد الكتاب حاول أن يكتب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن الكريم فقط، وهو الأستاذ محمد عزت؛ وذلك في كتابه (سيرة الرسول) التي كتبها في مجلدين، فأراد أن يقتصر على سيرة النبي عليه الصلاة والسلام من القرآن الكريم، ولكن ينبغي أن يعلم أنه لا يُكتفى بالقرآن العظيم؛ لأن كثيراً من التفصيلات لابد من الرجوع فيها إلى كتب الحديث النبوي وإلى كتب السيرة؛ ليتبين المراد منها، لكنها محاولة جيدة منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>