للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وصايا السلف في التعامل مع القرآن]

لقد كان من وصايا السلف بهذا القرآن والتزامه وتلاوته والعمل به دروس لمن جاء بعدهم، دروس عملية ودروس قولية كانوا يوصون بها أصحابهم، أما كونها دروساً عملية فكان السلف الصالح رحمهم الله تعالى نماذج للعمل بالقرآن يقتدي بهم من كان بعدهم، فالصحابة كانوا دروساً عملية للتابعين، والتابعون كانوا دروساً عملية لتابعي التابعين، وهكذا كانت أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تخل في كل وقت من خير وإلى خير إن شاء الله تعالى.

ولقد أعطوا دروساً قولية تصدق أفعالهم، فلم تكن أفعالهم تخالف أقوالهم، واستمع إلى بعض كلماتهم ووصاياهم وزواجرهم حول القرآن العظيم.

يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: لا يسأل عبد عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ورسوله.

ولقد صدق رضي الله عنه وأرضاه في هذا، فإذا أردت أن تعرف قدر الله عندك وبالعكس قدرك عند الله سبحانه وتعالى؛ فانظر إلى قدر القرآن العظيم عندك، هل تحبه وتتعلق به؟ هل تلازمه وتتلوه؟ هل أنت تفرح بهذا القرآن أم لا؟ ويقول حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما -وهو الخبير بالفتن ومواقعها- يقول موصياً أهل القرآن: يا معشر القراء استقيموا.

يا معشر القراء استقيموا.

يا معشر القراء استقيموا؛ فقد سبقتم سبقاً بعيداً، وإن أخذتم يميناً أو شمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً.

ولما كان أبو موسى الأشعري أميراً على البصرة رضي الله عنه كيف كانت عنايته بإمارته؟ لقد اعتنى أول ما اعتنى بالقرآن، فبعث إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن العظيم، فقال لهم رضي الله عنه يوصيهم: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤها، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم.

ويا لها من وصية، وصية من أمير البصرة في ذلك الوقت يوصي القراء ويعطيهم منزلة بين المجتمع، ثم بعد ذلك ينصح لهم فيأمرهم بالقراءة والتلاوة والعمل، وينهاهم عن أن يطول عليهم الأمد فتقسو قلوبهم.

ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا معشر القراء! ارفعوا رءوسكم؛ فقد وضح لكم الطريق فاستبقوا الخيرات.

وصدق رضي الله عنه، وكثيراً ما أوصى السلف بالعمل بالقرآن الذي هو دليل الإيمان، فهذا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: لقد عشنا دهراً طويلاً وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يقف عنده منها، ثم لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته لا يدري ما آمره وما زاجره وما ينبغي أن يقف عنده، ينثره نثر الدقل.

أيها الأخ المسلم! لقد أوتي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان، فكانوا يعملون بالقرآن، وكانوا لا يتجاوزون آيات حتى يتعلموها ويعملوا بما فيها، وهذه هي الحياة الحقيقية بالقرآن، فالحياة بالقرآن -أيها الأخ المسلم- هي أن نعيش مع القرآن بقلوبنا وأنفسنا، أن نعيش معه في أسرنا، أن نعيش معه في تعليمنا، أن نعيش معه في إعلامنا، أن نعيش معه في كل حالة من حالاتنا، أن نعيش معه وأن لا نلهو ونعرض عنه.

أيها الأخ المسلم! يقول أبو هريرة رضي الله عنه -وهو يعلم الأسرة-: البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثير خيره، والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله وقل خيره، وحضرته الشياطين وخرجت منه الملائكة.

وصدق رضي الله عنه وأرضاه.

ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه إلا أنه لا يوحى إليه، ومن قرأ القرآن فرأى أحداً من خلق الله أعطي أفضل مما أعطي فقد حقر ما عظم الله، وعظم ما حقر الله، وليس ينبغي لحامل القرآن أن يجهل فيمن يجهل ولا أن يحد فيمن يحد، ولكن يعفو ويصفح.

وصدق عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، فمن أعطي القرآن فقد أعطي أفضل ما أعطي بشر على الإطلاق؛ لأنه أعطي النور المبين الذي به حياة القلوب في الدنيا والآخرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>