للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الحياء]

الصفة الخامسة: الحياء.

والحياء أيضاً يشبه التواضع في كونه يفهم على غير وجهه الصحيح؛ لأن بعض الناس يظن أن الحياء أن تشاهد المنكر وتخجل من أن تنكره، أو أن تكون في موقف ينبغي أن تقول فيه كلمة الحق فلا تقولها، وهذا ليس حياءً وإنما هو خور.

الحياء: هو الخلق الذي يبعث على ترك المستقبح من الأمور المحرمة ونحوها.

ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما نعلم جميعاً- قال في الحديث المشهور: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، ويقول أيضاً في حديث شعب الإيمان: (والحياء شعبة من شعب الإيمان)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث رواه الترمذي والإمام أحمد والحاكم وهو حديث حسن، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء.

قال: فقلنا: يا رسول الله! إنا نستحيي والحمد لله.

قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء)، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم ميز الحياء بمثل قوله: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء).

وهذا الحديث إسناده حسن رواه ابن ماجة والطبراني وغيرهما.

وأيضاً ورد في البخاري قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الحياء لا يأتي إلا بخير).

إذاً الحياء خلق وصفة في النفس تمنع صاحبها من أن يقع في المعاصي والمحرمات، ولهذا نجد الشاعر يقول: ورب قبيحة ما حال بيني وبين ركوبها إلا الحياء فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهب الحياء فلا دواء وينبغي أن يعلم أن الحياء الذي يحمل الإنسان على أن يتخلق بالأخلاق الحسنة ويبتعد عن الرذائل أن لا يكون مانعاً للإنسان عن قول كلمة الحق والجهر بها.

كما أن الحياء لا ينبغي أن يمنع الإنسان عن طلب العلم، ولهذا روى البخاري في صحيحه تعليقاً عن مجاهد رحمه الله أنه قال: (لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر).

فالمستحي تأتيه المشكلة والمسألة وغيرها ويخجل أن يسأل عنها، فيمنعه حياؤه عن تفهم مسائل العلم فلا يتعلم، والمستكبر هو الذي يأنف بنفسه أن يسأل هذا السؤال، فيمنعه كبره عن تعلم العلم.

وهذه الصفة -صفة الحياء- قد تتمثل في بعض الناس بشكل واضح، كـ عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، فإنه قد عرف من حيائه ما عرف، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غطى فخذه حين دخل عليه عثمان وسئل: دخل أبو بكر ثم دخل عمر ولم تغط فخذك، فلما دخل عثمان غطيته! قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) رضي الله عنه وأرضاه.