للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسباب ابتداع أهل الكلام للمناهج العقلية الكلامية المنحرفة]

أيها الإخوة: أريد أن أبين هذه القضية بعد أن قدمت هذه المقدمة من خلال شرح هذه المسألة من أساسها.

نحن نعلم أن السلف الصالح رحمهم الله تعالى كان لهم منهج واضح محدد في التعامل مع النصوص، ومع قواطع العقيدة وضوابطها، ولهذا تجد منهجهم واحداً لم يتغير، فمنهج السلف في القرن الثاني أو الخامس أو العاشر أو الخامس عشر هو واحد؛ لأن الأصول والمنطلقات واحدة.

لكن الذي وقع بالنسبة لهؤلاء المتكلمين هو أنهم ابتدعوا مناهج عقلية وطرقاً كلامية لتأييد العقيدة أو لإيضاحها أو نحو ذلك، وهذا لا يكاد يخلو منه أحد من أهل الكلام، ومن ثم فإنهم استعاروا بعض أصول الفلاسفة، ثم جاءوا ليدرسوا نصوص العقيدة وقضاياها من خلال تلك الأصول.

ودعوني أضرب لكم مثالاً واحداً يبين كيف دخلوا من خلال تلك الأصول: أرادوا أن يثبتوا أن هذا العالم حادث، ونحن نعلم أن منهاج القرآن في ذلك منهج واضح جلي، ألا وهو الاستدلال بنفس المخلوقات على الخالق، أي: أن هذا الكون لابد له من خالق، وهذه قضية بدهية يعرفها الجميع، يقول الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، ثم يقول: سماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا يدل ذلك على العليم الخبير؟! هذه بدهية.

ومن ثم تجد أن القول بالأسباب حتى عند الأطفال، فلو أنك كنت عند طفل عمره ثلاث سنوات ثم ضربته على حين غفلة منه، ثم جاء يبحث عن الضارب، فلو قلت لهذا الطفل الصغير: لم يضربك أحد هل سيصدق؟ لا يمكن أن يصدق، سيقول لك: لابد أن يكون هناك أحد ضربني.

إذاً: الاستدلال بنفس المخلوقات، كما قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:٣٥]، الاحتمالات ثلاثة: إما أن يكونوا خلقوا من غير شيء، أو يكونوا هم الخالقين لأنفسهم، وهذان الاحتمالان باطلان، فبقي الاحتمال الثالث الصحيح ألا وهو: أن لهم خالقاً خلقهم، هذا المنهج الصحيح.