للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ضرورة الرجوع إلى منهاج السلف في التعامل مع النصوص الشرعية]

إذاً: أيها الإخوة! ندعو إلى منهاج السلف؛ لأنه لا خيار لنا في الأمر، ولأن منهاج السلف هو المنهج العلمي الصحيح؛ لأنه أخذ الأمور من مصادرها الصحيحة وانطلق إلى العمل، أما التجريد الكلامي والفلسفي وغير ذلك فهذا لا يفيد، لأنه مستمد من مناهج إلحادية عقلانية بشرية، وبالتالي لا توصل صاحبها إلى المنهج الحق ولا إلى فهم الحق.

وأكبر دليل على ذلك أن كثيراً ممن عاش التجربة الكلامية والفلسفية تأسف على ما مضى في آخر حياته.

إن الحديث عن نماذج من حيرة المتكلمين والفلاسفة في آخر الأمر يحتاج إلى محاضرة مستقلة، واحد منهم عاش ستين سنة وهو في علم الكلام والمناقشات والردود، وألف عدداً من الكتب، ثم يأتي ويقول في آخر حياته: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلاً، ثم رجعت إلى القرآن فوجدت فيه الخير، اقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] هذه تجربة لأكبر فيلسوف كلامي، ومؤلفاته في عشرات المجلدات مطبوعة.

إذاً: ألا نستفيد نحن من تجارب هؤلاء؟ أو نظل على حالنا في هذه الأيام نقلد الغرب بكل ما فيه، ثم إذا وقع الفأس على الرأس قلنا: تعالوا نراجع! يا أخي هذه دول تعيش معنا، ألا نستفيد نحن منها؟ أو لابد أن نصل نحن معهم إلى نهاية الطريق بالانحرافات، ثم نبدأ نستيقظ ونراجع أنفسنا، هذه كتلك أيها الإخوة.

إن منهاج السلف منهاج مقنع من الناحية العلمية، منهاج الصفاء بالإيمان وبالفهم السليم، منهاج ينقل الإنسان من العلم إلى العمل مباشرة، منهاج يحول الإنسان إلى أداة خير في هذه الحياة، منهاج يجعل الإنسان مستريح النفس منشرح الصدر، وكيف لا يكون كذلك ومصدره كتاب الله وسنة رسوله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤] لما أعرض الفلاسفة عن ذكره ومنهجه تحولت معيشتهم إلى ضنك، لما أعرض المتكلمون في كثير من الأمور تحولت معيشتهم إلى ضنك، إذا أعرضنا عن ذكر الله وعن الشغل بالقرآن تتحول معيشتنا إلى ضنك: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤]، هذا في الدنيا، أما في الآخرة: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] نسأل الله العافية.

ويقول تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، ويقول تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤]، ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:٥٧ - ٥٨].

إذاً: النظر إلى منهاج السلف ومن يتمسك به على أنه منهج تقليدي؛ هذا كله ما هو إلا هراء لا حقيقة له من الواقع، وإنما يقصد به التنفير فقط، وإلا فيكفي أن هذا المنهج هو الذي سار عليه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وسار عليه أصحاب الفتوحات الإسلامية الذين نشروا النور في مشارق الأرض ومغاربها، وهو الذي سار عليه عمر بن عبد العزيز الذي أعاد الحق إلى نصابه في خلافته القصيرة، وهو المنهج الحق الذي يخافه اليوم أعداء الإسلام، ولهذا فالأفكار المستنيرة والحداثية والغربية والفلسفية والباطنية وغيرها يرحب بها أعداء الإسلام، ويركز عليها المبشرون والمستشرقون في دراساتهم عن الإسلام، فهذا يتخصص في ابن رشد، وهذا يتخصص في ابن سيناء، وذلك يتخصص في الحلاج، وهذا يتخصص في التصوف الإسلامي عموماً، وذلك يتخصص في القرامطة؛ لأنها هي الاتجاهات المنحرفة التي يريدون بعثها في عالمنا الإسلامي، أما المنهاج السلفي الذي هو منهج أهل السنة والجماعة على استقامة، فهذا مرفوض عندهم ويجب أن يوصم بالأصولية والإرهاب والتطرف وغير ذلك.

إنني أدعوكم وأدعو نفسي وأدعو إخواني جميعاً إلى أن نجعل عودتنا إلى منهاج السلف، ليست فقط عودة تقليدية، وإنما هي عودة إلى ناحية تأصيلية، نرى أن الحق فيها وأن الصواب فيها، والله المستعان.