للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التربية بعيداً عن المسجد سبب الانحراف

الرجال لا يتربون إلا في المسجد، المسجد الذي يتعاهد الطفل منذ بداية تمييزه، منذ سن السابعة: (مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع)، الطفل حين يختلط بالصالحين، ويأخذ من أخلاقهم وسلوكهم، ويحضر مجالس العلم، ويعرف الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، ويعرف دين الإسلام بالأدلة، ويعرف كيف يعبد ربه، وكيف يخشى الله سبحانه وتعالى، ويجلس في حلق القرآن يقرأ ويتلو كتاب الله ويحفظه؛ حينئذٍ سوف يخرج رجلاً.

أما تربيته على خلاف هذه التربية فهذا هو ما أحدث الخلل في هذه الأمة الإسلامية، فالآن يتربى كثير من أبناء المسلمين بعيداً عن المساجد، لا يعرف أحدهم الطريق الموصلة إلى المسجد، ولربما لا يصلي إلا صلاة الجمعة أو بعض الصلوات! ولربما لا يدخل المسجد إلا حينما يموت فيقدم لتصلى عليه صلاة الجنازة! هذا واقع مشاهد لا أحد ينكره، لكن الخطر سيكون قبل أن يقف هؤلاء الناس للحساب بين يدي الله عز وجل، والنتيجة خطيرة في الدنيا قبل الآخرة.

هؤلاء الذين يتربون بعيداً عن المسجد، قد يتربون بين الأفلام والمواخير، ومراكز الشراب والبارات، والمحرمات، والعاهرات، والرقص، والغناء، لا نريد أن نستعرض هذه كلها، لكن أولئك هم الذين أصبحوا الآن يفسدون في الأرض هم الذين أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين هم الذين يسعون الآن ليجروا عاراً على أمتهم لا ينسى إلى يوم القيامة هم الذين سوف يحلون قومهم دار البوار هم الذين يصفون هذا الإسلام بالتأخر، والرجعية، والتخلف، وأن هذه الأمة متخلفة، ويصفون المرأة المسلمة بالتأخر والتخلف، وينادونها إلى التحرر، ويزعمون أنهم أصحاب حقوقها، والمدافعون عنها وعن حريتها، والله يعلم أنهم لا يريدون بذلك إلا سوءاً وفساداً، يريدون أن تنحل المرأة وتنحرف؛ ليصطادوها في الماء العكر، ولتصبح لقمة سائغة بين أيديهم.

هم ينادون بهذه الحرية الكافرة الملحدة الآثمة الغاشمة في وقت أصبح فيه أعداء الإسلام الكفرة قد سئموا من أوضاعهم المنحرفة، فصاروا ينادون المرأة في بلادهم بأن تعود إلى الحشمة والكرامة والمحافظة! فهؤلاء جاءوا ليبدءوا من حيث ينتهي الناس، هؤلاء هم الذين تربوا بعيداً عن المسجد.

ولربما تطور الأمر بالنسبة لهم، فنسمع من أخبارهم ما يدمي القلب ويذيبه كمداً كالطعن في الإسلام، لا يكفيهم أن تتحرر المرأة -كما يزعمون- أو أن تنحرف، بل لا يقر لهم قرار إلا وهم يرون الأمة الإسلامية تعيش في المؤخرة، ولا يكفيهم هذا التخلف وهذا التقهقر الذي أصاب الأمة الإسلامية، وهذا النوع من البشر قد يتجرءون على دين الإسلام فيكونون من أئمة الكفر الذين أمر الله عز وجل بأن نقاتلهم في أي مكان نجدهم: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة:١٢].

ولربما يتجرءون أكثر من ذلك فيطعنون في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخبار الحداثيين منا ببعيد، ولربما يتجرءون على الله عز وجل فيقولون كلاماً لا ينبغي لمسلم أن يقوله حتى على سبيل الحكاية! فلماذا هذا كله؟ لأنهم ليسوا من الرجال الذين تربوا في أحضان المسجد، وعرفوا الله عز وجل، بل لربما أن الرقابة الأبوية أو ما فوق الأبوية قد تساهلت في تربية هؤلاء، أو لربما أن هؤلاء غسلت أدمغتهم في بلاد الشرق أو بلاد الغرب، ونجح أعداء الإسلام في إفساد هؤلاء، فأرادوا أن يحققوا الفكرة التي تدور في أذهانهم، وهم يقولون: إنكم لا تستطيعون قطع شجرة الإسلام إلا بغصن من أغصانها!! ويقصدون بهذه الكلمة: ربوا من أبناء المسلمين من يقوم بهدم الإسلام! لكننا مطمئنون على شجرة الإسلام، وهذه الخفافيش والصراصير لن تؤثر فيها أبداً؛ لأن هذا نور الله عز وجل ودين الله الذي سوف يظهره على الدين كله ولو كره المشركون، ونحن مطمئنون إلى وعد الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، لكننا خائفون على الأمة من أن يتسلم شيئاً من مقاليد الأمور فيها نوع من هؤلاء الذين لا يعتبرون أشباه رجال، ولكنهم دون ذلك!