للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مشروعية تخفيف المهور]

أخذ العلماء من هذه الآية: جواز تعظيم المهور والمغالاة في المهور، ولكن في اعتقادي أن هذه الآية ليست دليلاً على المغالاة في المهور؛ لأن قوله تعالى: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [النساء:٢٠]، ليس معناه: أن هناك من النساء من تعطى قنطاراً من الذهب؛ لأن القنطار من الذهب يساوي مالاً عظيماً، وإن كان يجوز أن يكون المهر كثيراً، لكن الأفضل هو تخفيف المهور، فالمبالغة في المهور لها سلبيات عظيمة، وأهم سلبياتها: عدم البركة بين الزوجين؛ لأنه من كانت أقل مهراً كانت أكثر بركة، كما صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أقلهن مئونة أكثرهن بركة)، وهذا شيء نشاهده، فالذين يبذلون الملايين من الريالات للمرأة غير أكفاء كما يتصورون هم وكما هو حقيقة؛ لأنهم لو كانوا أكفاء لهذه المرأة لما بالغوا في هذا المهر.

الأمر الثاني: أن كثرة المهر هي التي تسلب البركة في هذا الزواج، فقد أجمع علماء المسلمين على أفضلية تخفيف المهور، لكن اختلفوا في جواز الزواج بالمهور الكبيرة، فأخذ طائفة من العلماء من هذه الآية جواز المغالاة في المهور، وهناك من بذل مهوراً في السابق وفي اللاحق، والأصل هو التخفيف.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطب، ففكر أن يحدد المهور ذات يوم، فصار يخطب على المنبر ويقول: أيها الناس! خففوا المهور، لا تغالوا في المهور، فقامت امرأة عجوز وقالت: يا أمير المؤمنين! أتحرمنا شيئاً أعطانا الله عز وجل إياه، والله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [النساء:٢٠]؟ فقال عمر: أخطأ عمر وأصابت امرأة، كل الناس أصابوا إلا عمر.

وبالرغم من أن عمر رضي الله عنه حينما كان يريد أن يخفف المهور إنما هو لمصلحة الأمة، لكننا نستطيع أن نأخذ من هذا نتيجة: أن بعض العلم قد يخفى على الأكابر ويعلمه الأصاغر، كما أن ولي الأمر عليه أن يقف عند حدود الله عز وجل حينما تبلغه من أي إنسان كائناً من كان، ولو كان دونه في المستوى والعلم والسياسة، فإن هذه المرأة استطاعت أن توقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو الثاني من الخلفاء الراشدين الذين خلفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).

فكون امرأة تقول: أخطأت يا عمر! وهو يخطب على المنبر، يعطينا دليلاً على أن ولي الأمر مهما كان مركزه في هذه الحياة؛ فإن عليه أن يقبل النصيحة إذا أسديت إليه من أي واحد كائناً من كان، فإن كانت حقاً فعليه أن يقبلها، وإن كانت باطلاً فإن عليه أن يناقش صاحب هذا الباطل، وإذا قيل له: اتق الله! ولم يقبل هذه النصيحة، فعليه خطر، ولا خير في الناس إن لم يقولوا له: اتق الله، ولا خير له إن لم يقبلها من هؤلاء الناس، فـ عمر رضي الله عنه يقول: (كل الناس أصابوا إلا عمر).

وعلى هذا نقول: إن تخفيف المهور هو الأفضل، وإن ذكر الله عز وجل القنطار ليس معناه: أن هناك من يدفع لها من النساء قنطار من الذهب، وإنما ذلك من باب المبالغة، والمعنى: ولو كان المال عظيماً فلا تأخذ منه شيئاً، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة)، وليس هناك بيت يساوي مفحص القطاة، أي: مربض القطاة، ولا أحد يستطيع أن يصلي في مربض القطاة، وإنما ذلك من باب الحد الأدنى وهذا على الحد الأعلى، أي: ولو كان مالاً كثيراً.

وعلى كل أيها الإخوة! مصلحة الأمة أن تخفف المهور، وأن يتزوج الشباب العزاب والعوانس اللاتي يبلغن سناً متأخرة داخل البيوت، وخطر على الأمة أن يعزف شبابها عن الزواج، وخطر على الأمة أن تعزف نساؤها أو تتعلق بالتعليم أو بالوظيفة عن الزواج، وحينئذ يحدث خلل في المجتمع لا يعلم مقداره إلا الله عز وجل.