للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم نكاح زوجة الأب]

ثم يذكر الله عز وجل أيضاً شيئاً من حدوده في قوله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء:٢٢]، ذكرنا في الآية السابقة أنهم كانوا في الجاهلية إذا مات الزوج يتسابق أولاده من غيرها إليها، فأيهم وضع الرداء عليها كان أحق بها، أو يطؤها أو يملكها أو يزوجها، المهم يكون حراً في التصرف فيها، فلما حرم الله عز وجل هذا الأمر على الناس وكان موجوداً في الجاهلية، بدءوا يعقدون على زوجات الآباء، ويقول: أنا لا آخذها بالقوة وإنما آخذها بالعقد، والعقد حرام في مثل هذه الحال؛ لأن زوجة الأب كالأم لا يجوز للابن أن يقربها؛ لأنها من محارمه، فلما فعل القوم ما فعلوا بأن بدءوا يعقدون على زوجات آبائهم بدلاً من كانوا يرثونهن ميراثاً؛ أنزل الله عز وجل هذه الآية التي تحرم حتى العقد على زوجة الأب.

وكيف يقدم إنسان على زوجة أبيه؟! هذا مقت شديد، وإثم عظيم، وقد كان ذلك أيضاً موجوداً في الجاهلية، ولذلك يقول الله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا)، أي: لا تتزوجوا، والمراد بالنكاح هنا العقد، (مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) أي: ما عقد عليها الأب وتزوجها، (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) (إلا) هنا استثناء منقطع، أي: لكن ما قد سلف لا تؤاخذون عليه؛ لأنه كان في أمر الجاهلية، أما بعد أن نزلت هذه الآية فإنه يحرم على أي واحد منكم أن يتزوج زوجة أبيه؛ لأن زوجة أبيه بمنزلة أمه.

(إنه كان فاحشة)، كالزنا، (ومقتاً)، ممقوت عند الله عز وجل، وممقوت أيضاً في أذواق الناس، فإن الأذواق البريئة النزيهة الطاهرة لا تقدم على مثل هذا العمل؛ بل هي تمقته وتسبه، وبطبيعة الإنسان البشرية أن ينفر من زوجة أبيه كما ينفر بفطرته عن أمه؛ لأن كل واحدة منهما تعتبر فراشاً لأبيه، فهو ممقوت، ولذلك كانوا يسمون في الجاهلية الولد الذي ينشأ عن زواج الولد بزوجة أبيه: الولد المقيت أو الممقوت.

(وَسَاءَ سَبِيلًا)، أي: سبيلاً سيئة وفرجاً حراماً، كيف يقدم عليها هذا الإنسان بعد أن أقدم عليها أبوه؟!