للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وعد الله تعالى بنصر الإسلام وتمكين أهله]

بعد ذلك يقول الله تعالى للعالم الإسلامي كله: لا تخافوا على الإسلام، فالإسلام دين الله ظاهر، وحتى لو قدر أنه وجد من أبناء المسلمين من المنافقين وأشباههم الذين يزعمون الإسلام، وهم أبعد عن الإسلام مما بين المشرق والمغرب، لو وجد هؤلاء فلا تخافوا منهم؛ لأن لله جنود السموات والأرض، فلو ارتد من ارتد من المسلمين عن الإسلام فأصبحوا حرباً ضد الإسلام؛ فإن لله خلقاً لا تعلمونهم أنتم، وهؤلاء الخلق سوف يأتون في الفترة التي توجد فيها الردة عن الإسلام.

والله إن هذه الآية كأنها تخاطب أهل هذا الزمان الذي نحن نعيش فيه؛ فإننا نرى في هذا الزمان قوماً ارتدوا عن الإسلام، وما ارتدوا عن الإسلام فأصبحوا يهوداً أو نصارى فقط؛ لكنهم أصبحوا شوكة تؤذي الأمة الإسلامية، وأصبحوا حجر عثرة في تاريخ الأمة الإسلامية، ووالله يا إخوان! إن الإسلام يُحارب في أيامنا الحاضرة بهم أكثر من أن يحارب باليهود والنصارى، ولا أكتمكم سراً حينما نقرأ عن رجل يقال له: محمد يقول: إن محمد الهاشمي وسورة (تبت) هي سبب تأخر المسلمين! فهذا رجل اسمه محمد، وفي نفس الوقت نقرأ في تاريخ اليهود الذين هم أحقد الناس على الإسلام أن رجلاً يُدعى برنارد يهودي يقول: لو بُعث محمد اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة! قارن يا أخي! بين محمد وبين برنارد، محمد رجل مسلم من أهل المدينة، وبرنارد رجل يهودي من الحاقدين على الإسلام، وبرنارد يقول: لو بعث محمد اليوم لحل مشاكل العالم وهو يحتسي فنجاناً من القهوة.

يعني: يستطيع أن يحل مشاكل العالم كلها وهو يشرب فنجاناً من القهوة.

إذاً: لو ارتد من ارتد من المسلمين عن دين الله فلا تخافوا على هذا الدين؛ فإن هذا الدين تكفل الله عز وجل بحفظه، وتكفل برعايته حتى يسلمه كل جيل إلى الجيل الذي بعده؛ لأنه آخر دين في هذه الحياة؛ ولأن رسالته آخر رسالة؛ ولأن كتابه أشرف وآخر كتاب، فسيبقى هذا الدين، ولو ارتد كل العالم الإسلامي عن الإسلام؛ فإن لله قوماً سوف يوجدون في هذه الفترة التي تُوجد فيها الردة.

وتعال معي يا أخي! إلى العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة، قبل سنوات كانت التخمينات الضائعة الضالة تقول حتى للمسلم: فلان وفلان وفلان سوف يهلكون عن الوجود وينتهي الإسلام عن هذه الأرض، والله لقد كنا نسمع هذا الكلام يا إخوان! حتى المفسدون في الأرض كانوا إذا جاءوا بأفلام قيل لهم: متى هذه الأفلام؟ قالوا: ما جاء موعدها حتى الآن؛ انتظروا موعدها قريباً سيأتي؛ ومعنى ذلك: أنه سينحرف العالم الإسلامي، وتنحرف البلاد التي تطبق الإسلام! وهذه الأفلام ستطبق حتى هنا، وكان هنا أقوام يأتون بأفلام ما وصلنا إليها حتى الآن، ولا وصلت إلينا والحمد لله، فإذا قيل لهم: متى تنشر هذه الأفلام؟ يقولون: ما جاء وقتها، بقي عليها وقت قصير، ويتصورون أن الإسلام انتهى من هذه الحياة وبقي فلان وفلان في هذا العالم الإسلامي ينتهون وبعد ذلك تعود هذه الأرض كفراً بواحاً.

لكن ما الذي حدث يا إخوان؟! في العشر السنوات الأخيرة التي كانت تقال هذه المقالات، وكانت تؤلمنا حينما نسمعها، ولولا ثقتنا بالله عز وجل وبدين الله سبحانه وتعالى لكنا نصدق بهذه الأخبار فنخاف على الأمة الإسلامية، لكن اليقين بالله عز وجل يطمئننا على هذا الدين فنقول: إن الله عز وجل يقول: {َلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الفتح:٧]، ويقول: {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [المنافقون:٧]، ويقول: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:٣٣]، ويقول: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣].

هذه الآيات تتردد أمام مخيلتنا دائماً وأبداً، فنثق بوعد الله عز وجل، فإذا بنا -والحمد لله- نعيش اليوم صحوة إسلامية جعلت السقف يخر عليهم من فوقهم، ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون، أعني المتربصين بالإسلام الذين ينتظرون نهاية الإسلام في سنوات قريبة، فإن عاقبتهم كما قال الله عز وجل: {فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ} [النحل:٢٦]، فنشأت ناشئة -والحمد لله- إسلامية وشباب إسلامي متدين متمسك بدينه، نشئوا على إسلام ليس متطرفاً كما يقولون عنه، وليس أصولياً، اللهم إلا إذا كانت الأصولية في معناها الصحيح وهو: أنه يرجع إلى الأصل في دينه، وليس متزمتاً، وليس منحرفاً، وليس متشدداً، ولكنه شباب يعيش إسلام الفطرة، لكن لما بعد الناس مدة طويلة من الزمن عن الفطرة الصحيحة ظنوا أن هذا الشباب متهور، وأنه متطرف، وما هو بمتهور ولا متطرف، فإذا به يأتي هذا الشباب، وأرجو أن يكون هذا هو وعد الله عز وجل في قوله: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:٥٤].

إذاً: من هنا نطمئن على دين الله عز وجل، لا نخاف على الإسلام؛ فالإسلام يقول الله عز وجل عنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، ولا نخاف على الأمة الإسلامية إذا تمسكت بدينها؛ فإن الله تعالى يقول: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥].

إذاً: هذا الوعد يطمئننا على هذه الأمة الإسلامية، أما الإسلام فنحن مطمئنون عليه اطمئناناً كاملاً.