للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صفات القوم الذين يحبهم الله عز وجل ويحبونه]

لقد ذكر الله عز وجل لهؤلاء القوم ست صفات، لابد لأي واحد منا يريد أن يكون جندياً من جنود الله عز وجل أن يسجل نفسه في هذه القائمة، وأن يتسم بالصفات الست التي ذكرها الله عز وجل هنا، وهذه الصفات هي: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، ست صفات لابد أن يتصف بها هؤلاء القوم الذين هم بديل عن القوم الذين تنكروا لدين الإسلام، وهؤلاء هم الذين سوف يمثلون الصحوة الإسلامية الصحيحة، وهؤلاء هم الذين سوف يقضي الله عز وجل بهم على هؤلاء المفسدين في الأرض.

الصفة الأولى: (يُحِبُّهُمْ)، ومحبة الله عز وجل تتطلب الطاعة المطلقة التي لا ترتبط بقيد ولا شرط أبداً لله عز وجل ولرسوله.

الصفة الثانية: (وَيُحِبُّونَهُ)، ومن محبتهم لله عز وجل أنهم آثروا دين الله سبحانه وتعالى على أي ملة، وعلى أي منهج، ولربما تقدم لهم إغراءات في هذا السبيل يسيل لها لعاب كثير من الناس، لكنهم يرفضونها، ويقول قائلهم بلسان الحال وبلسان المقال في جانب الله عز وجل: فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب فهم يتمثلون بهذا الأمر، وحينئذ يحبهم الله عز وجل، ويحبونه سبحانه وتعالى، ومن محبتهم له سبحانه وتعالى أنهم يتفانون في سبيل الدفاع عن دين الله عز وجل، وهب أن أحدهم لقي الله عز وجل في سبيل هذا الدين إنما لقي الله بأجله لا بأجل إنسان آخر؛ فإن الله تعالى يقول: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤].

الصفة الثالثة: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، والذلة معناها: الخضوع، فهو يخضع للمؤمنين ويرق ويلين، فإذا أراد أن يتعامل مع مسلم مع مؤمن مع تقي تجده أرق من القطن؛ فحينما يريد أن يتعامل مع هؤلاء المسلمين يخضع لهم، ويحبهم، ويقدم لهم الطاعة في طاعة الله عز وجل، لكن حينما يريد أن يتعامل مع الكافرين يكون عزيزاً.

الصفة الرابعة: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أي: أقوياء، والعزة معناها: القوة، فهو يتعامل مع المسلمين بلين وسهولة، ويتعامل مع أعدائه بخشونة وقوة، وليس معنى ذلك أنه يظلم الكافرين، فإن الله عز وجل حرم علينا أن نظلم كافراً إذا كان مستأمناً في بلاد المسلمين، ولذلك يقول الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:٨]، وأنتم تعرفون كيف يتعامل الإسلام مع الكافر إذا كان يريد أن يعيش في بلاد المسلمين مستأمناً معاهداً، لا يتدخل في أمور المسلمين، وأصبح المسلمون مضطرين إلى بقائه في بلاد المسلمين، لاسيما إذا جاء ليدرس الإسلام ليدخل في الإسلام، فإنه يجب على الأمة الإسلامية أن تحافظ عليه، ولا يُؤذى، لكنه لا يرفع رأسه في بلاد المسلمين، فلو رفع رأسه في بلاد المسلمين يجب أن يقمع حتى لا يتولى منصباً حساساً، كما هو الآن في كثير من بلاد المسلمين أو في جل بلاد المسلمين؛ حيث يتولون مناصب حساسة، فوالله لقد رأيناهم يا إخواني! يسومون المسلمين سوء العذاب حينما يتولى أحد منهم منصباً من المناصب، لاسيما نصارى العرب الذين تمكن طائفة منهم من بعض المناصب، فأصبحوا في بلاد المسلمين يذلون الأمة الإسلامية، ويتحكمون في مصير وأرزاق المسلمين.

لكن الحقيقة أنه يجب أن تكون هذه العزة ليست على حساب الكافر الذي لا يحارب الإسلام؛ بل يجب أن تكون هذه العزة قوة في المسلم حينما يريد هذا الكافر أن يتمرد في بلاد المسلمين، أو أن يعلو في بلاد المسلمين، أو أن يرفع رأسه، فالله تعالى يقول: (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)، أي: أقوياء على الكافرين.

الصفة الخامسة: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، أي: يبذلون الجهد من أجل إعزاز دين الله، إذا تطلب الموقف أن يحمل السلاح في وجوه الكافرين حينما تكون الحرب بين المسلمين وبين الكافرين فإنه أسرع الناس إلى حمل السلاح، وإذا تطلب الموقف الدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة فهو أسبق الناس إلى الدعوة إلى الله عز وجل، وإذا تطلب الموقف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإنه هو الجندي من جنود الله عز وجل يستميت في سبيل الدفاع عن محارم الله عز وجل وعن محارم المسلمين.

الصفة السادسة: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)؛ لأن المشكلة التي تعترض كثيراً من الدعاة أو كثيراً من المصلحين أو الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هي خوف لومة لائم، فبعض الناس يظن أن رزقه بيد البشر، وينسى أن الله تعالى يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:٦]، وبعض الناس يظن أن حياته بيد البشر، وينسى أن الله تعالى يقول: {كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران:١٤٥]، ويقول: {لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف:٣٤]، وبعض الناس يظن أن مصيره بأيدي البشر فيخاف، أما المؤمن الحق فإنه لا يخاف لومة لائم.

وكلمة (لومة) كافية في المعنى، فما فائدة (لائم) في قوله: (وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ)؟ أي: كائناً من كان هذا اللائم، ومهما كان مستواه، ومهما كان مركزه في هذه الحياة، فهم لا يخافون منه؛ لأنهم يعرفون أن كل شيء بيد الله عز وجل، كما قال صلى الله عليه وسلم: (وأن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف).

إذاً: يجب عن المسلم ألا يخاف لومة لائم حينما تنتهك محارم الله عز وجل، فيغضب لله عز وجل غضبة لا يمكن أن تقف هذه الغضبة حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، والمياه إلى مجاريها، أما أن يساوم في دين الله فهذا هو الأمر الخطير في حياة البشر، ولذلك أخبر الله تعالى بأن هناك مؤمنين لكنهم مؤمنون يرجعون من منتصف الطريق فقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ}، أي: أذى الناس، {كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} [العنكبوت:١٠]، يقول الله تعالى: {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:١٠].

إذاً: هؤلاء الذين يرجعون من منتصف الطريق لا يصلحون لمثل هذه الحياة التي يرتد فيها أقوام عن الإسلام، ويتقدم أقوام يدافعون عن دين الله عز وجل وعن الأمة الإسلامية، يقول الله فيهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، أما إذا كانوا يخافون لومة لائم فإنهم لا يدركون محبة الله عز وجل؛ لأن هذا يعني عدم الثقة بوعد الله عز وجل، وعدم الاعتماد على وعده سبحانه وتعالى.

إذاً: المسلم لا يخاف في الله لومة لائم، فلو تنكرت كل الدنيا في وجهه وهو يعرف أنه على طريق مستقيم فلا يبالي ولا يتوقف، وهذا بخلاف ذلك الذي يعبد الله -نعوذ بالله- على حرف وعلى طرف بين الإيمان والكفر: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ} [الحج:١١].

إذاً: هذه الصفات الست هي: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤]، ويمكن أن نضيف إلى هذه الصفات الست صفة سابعة وهي: الاجتماع على كلمة الحق لقوله: (بقوم)، فالله تعالى لم يقل: أفراد؛ لأن العمل الفردي في سبيل الدفاع عن هذا الدين ربما يصعب على المسلم، لكن العمل الجماعي من أجل رفعة هذا الدين، ومن أجل حماية هذا الدين من المفسدين في الأرض لابد منه، ولابد أن يتولى ذلك قوم، وهم الذين أشار الله عز وجل إليهم في سورة آل عمران بقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران:١٠٤]، أي: لا أفراد، وقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران:١١٠]، ودائماً الإسلام يخاطب المجموعة، ويريد أن تكون الأمة مجموعة لا متفرقة.