للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة على دين الله من أسباب النجاة من عذاب الله وغضبه]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونشكره، ونثني عليه الخير كله ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، الذي أرسله الله رحمة للعالمين أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون.

أما بعد: فأيها الإخوة! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع القلوب على طاعته كما جمعنا في هذا المكان المبارك، وأن يجمعنا جميعاً في مستقر رحمته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

موضوع هذا الدرس هو: الاستقامة، وما أحوج المسلمين اليوم إلى الاستقامة والثبات على المنهج الصحيح، قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود:١١٢ - ١١٧].

إنّ هذه الآيات تلزم المسلمين بستة أوامر من أوامر الله عز وجل، وهي سبب السلامة والعافية من غضب الله تعالى وعقابه، وقد جاءت هذه الآيات في ختام سورة هود، وما أدراك ما سورة هود! إنها السورة العظيمة التي تحدثت عن هلاك كثير من الأمم، ولقد شيبت ناصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (شبت يا رسول الله! فقال: شيبتني هود وأخواتها) أي: وأخواتها من السور التي تتحدث عن مصارع الظالمين، ونهاية المجرمين والمفسدين في الأرض.

وكان آخر هؤلاء الظالمين آل فرعون، فاتبعوا فرعون في طغيانه وظلمه ودعواه أنه رب العالمين، فأهلكه الله عز وجل في عنفوان قوته وملكه الذي كان يفتخر به ويقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١]، ولذلك قضى الله تعالى بأخذ هؤلاء الطغاة، {فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود:٩٧ - ٩٨].

قال الله تعالى بعد ذكره أخبار هذه الأمم التي أهلكها في سورة هود التي تضمنت -كغيرها- أحسن القصص: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:١١٢] إذاً: فطريق السلامة طريق واحدة، وليس هناك طريق أخرى للسلامة من عذاب الله عز وجل في الدنيا والآخرة، هذه الطريق هي: الاستقامة على دين الله.

وإنّ ما أصاب تلك الأمم من سخط الله عز وجل وأليم عقابه إنما كان سبب ذلك أنهم لم يستقيموا على دين الله ومنهجه، فإذا كنت -يا محمد- تريد السلامة لك ولأمتك فاستقم كما أمرت، وإذا كنت -أيها الأخ المسلم- تريد العافية من عذاب الله فاستقم كما أمرت، ومن هنا نعرف أن هذه العناصر الستة التي احتوتها هذه الآيات تبدأ بالاستقامة.