للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستقامة كما أمر الله لا كما تشتهيه الأنفس]

إن هذه الأمة مطالبة بأن تسير على هذا المنهج القويم: (فاستقم كما أمرت)، وهذه الاستقامة مقيدة هنا بقوله تعالى: (كما أمرت)، فهل هناك استقامة منحرفة؟! نعم، فقد تكون الاستقامة في الظاهر، لكنها منحرفة وليست كما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له حرية في أن يختار طريق الاستقامة؛ بل الأمر كما قال الله تعالى: (كما أمرت).

أيها الإخوان! إن من يسير في العالم الإسلامي سيرى أقواماً أحدثوا عبادات لو نظرت إليهم من أول وهلة لقلت: هؤلاء هم عبّاد الله في الأرض، وإذا نظرت إليهم بعين البصيرة وجدت أنهم من أبعد الناس عن دين الله عز وجل، كما قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:٢ - ٤]، والعجيب أنها عاملة خاشعة ناصبة تقية -في الظاهر- لكنها تصلى ناراً حامية!! لأنها لا تسير على المنهج الصحيح الذي جاء من عند الله عز وجل، يحدثون في دين الله، ويشرعون لأنفسهم من العبادات ما لم يأذن به الله، وكلما أعجبتهم عبادة قالوا: هذه بدعة حسنة، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة)، فليس هناك في الإسلام بدعة حسنة، وقد تطورت هذه البدع إلى أن وصلت إلى درجة الشرك بالله عز وجل، فتعبد الأصنام الآن من خلال ما يسمونها بالبدعة الحسنة! لقد رأينا أُناساً يسجدون للقبور، وقد ولوا ظهورهم صوب الكعبة، ووجوههم -وهم ساجدون لغير الله عز وجل- صوب القبور والأضرحة، يعبدون أناساً قد صاروا تراباً، ويسجدون لهم من دون الله عز وجل، وحينئذٍ نعرف أن الشرك قد عاد على أشده، فإنّ أكبر مرحلة وصل إليها الشرك في آخر أيام الشرك يوم فتح مكة، وهي آخر لحظة من لحظات الشرك، وكان عدد الأصنام ستين وثلاثمائة صنماً تعبد من دون الله، وقد كسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر، وأما في وقتنا الحاضر فإنّ الإحصائيات تقول: إن في العالم الإسلامي أكثر من عشرين ألف ضريح يعبد من دون الله.

وقد رأيت أنا بعضها؛ فيها حجاج من جميع بلاد العالم، ويحجون إليها أكثر ممن يحج إلى الكعبة المشرفة، والطواف حولها أكثر من الطواف حول الكعبة المشرفة، وتراهم يريقون الدموع في ذلك الموقف، ويتوسلون، ويدعون، ويخشعون، ويذبحون ويريقون من الدماء أكثر مما يفعله المسلمون في أيام منى! فقلت: سبحان الله! لقد عاد الشرك الآن على أشده، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تلك الغربة ستعود أعنف مما كانت، وبلادنا هذه -والحمد لله- لا تعرف الشرك بهذا المعنى، فقد حماها الله سبحانه وتعالى من هذا الشرك بدعوة سلفية صالحة، نسأل الله أن يثبتنا على التوحيد، لكن نريد أن نصلح ما دون ذلك.

والخلاصة -أيها الإخوة- في قول الله تعالى: (كما أمرت): ألّا تستقيم كما يروق لك، حتى رسول الله وخاتم الأنبياء وخير المرسلين، قال له ربه: استقم كما أمرت، أي: لا كما تريد، ولا كما يحلو لك.

إن الاستقامة لها قيود وشروط، والعبادة لها ضوابط، وقد أكمل الله تعالى هذا الدين بحيث لا يصبح أُلعوبةً لبعض المسلمين يزيد فيه وينقص، ويتهم الله عز وجل بعدم إكمال هذا الدين، وهو الذي يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:٣]، ويتهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبيين هذا الدين، وهو الذي يقول: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها).