للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تشريف أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام والقرآن]

كانت هذه الأمة قبل هذا الكتاب العظيم أمة تعيش في غي وضلال، قد أهملها التاريخ، وانزوت بين جبال مكة ووهادها وفيما حولها إلى أن بُعث فيها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولما بعث محمد صلى الله عليه وسلم ودعا الناس إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، ظن العرب أنهم سوف يتخطفون من أرضهم، وأنهم سيكونون لقمة سائغة للعالم حينما يستقلون بهذا الدين الجديد: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص:٥٧]، فإذا بهم يتخطفون من أرضهم ليكونوا قادة العالم، وذلك حينما أخذوا بهذا الدين، فكان فيهم من يرفع رأسه إلى السماء كـ هارون الرشيد ويخاطب السحابة وهو في بغداد ليقول لها: أيتها السحابة! أمطري أنى شئت، فسيأتيني خراجك ولو بعد حين.

وذلك لأن الأرض أصبح أكثر أهلها يعيش تحت ظل هذا الدين، وكان فيهم قتيبة بن مسلم القائد الأموي، فقد كان في بلاد ما وراء النهر يفتح البلاد، ويسأل قومه حين وقف على مشارف الصين: أي بلدة أمامنا؟ فيقولون له: يرحمك الله أيها القائد! هذه بلاد الصين، فيقول رحمة الله عليه: والله لا أرجع من هذه الأرض إلى بلدي حتى أطأ بأقدامي هذه أرض الصين، وأضع الوسام -يعني: وسام المسلمين- على الصينيين، وأفرض عليهم الجزية.

فوصل الخبر إلى ملك الصين فقال: قولوا لـ قتيبة يبقى في مكانه، ثم أرسل إليه بتربة أرض الصين وقال: هذه تربة الصين في صحاف من ذهب ليطأها قتيبة وهو في مكانه، وهؤلاء أربعة من أولادي يضع عليهم الوسام، وسام المسلمين، وهذه هي الجزية، وسوف تصل إليه في مكانه في كل عام.

هنا يتخطف المسلمون من أرضهم ليكونوا قادة العالم، وليقف عقبة بن نافع رحمة الله عليه وهو في بلاد شمال أفريقيا ينشر الإسلام، ويفتح البلاد، فوقف على حافة غابة القيروان -وهي غابة موحشة وأرض مسبعة- حين أراد أن يبني مدينة القيروان الحالية في تونس لتكون مركزاً للمسلمين في تلك البلاد، فقال له أهل البلاد: يرحمك الله يا عقبة! كل الفاتحين يرجعون دون هذه الغابة؛ لأنها أرض مسبعة، فقال: والله لا أرجع حتى أبني فيها مدينة تكون مقراً للمسلمين هنا، ثم وقف رحمة الله عليه على حافة الغابة وخاطب سباعها ووحوشها قائلاً: أيتها السباع! نحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم جئنا هنا لنشر الإسلام، فقال شاهد عيان: والله لقد رأينا الوحوش تحمل أولادها من الغابة تخليها لـ عقبة بن نافع ليبني فيها مدينة القيروان.

ثم يواصل السير إلى أن يصل إلى بلاد المغرب، ثم إلى المحيط الأطلسي ليغرز قوائم فرسه في ماء المحيط ويقول: والله الذي لا إله غيره! لو أعلم أن وراء هذا الماء -أي: ماء المحيط الأطلسي- أقواماً لخضته على فرسي هذه إليهم.

هكذا حصل المسلمون على الشرف، والذين اعتنقوا هذا الدين أدركوا هذا الشرف الذي يقول الله عز وجل عنه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف:٤٤] أي: شرف، ولذلك فإن الله عز وجل أكرم من أكرم من صناديد العرب وغيرهم بهذا الدين، ونقلهم نقلة عظيمة من عالم إلى عالم أعظم، فأصبح أهل مكة وأهل المدينة وأصبح العرب بصفة عامة هم قادة العالم، وهذا من الشرف الذي أكرم الله عز وجل به هذه الأمة حينما أخذت بهذا الدين، ثم ما زال هذا الشرف تتوارثه أجيال إثر أجيال في هذا العالم وعلى هذا الكوكب، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، ولا تزال أمة إثر أمة تملك زمام الأمور، وتستقر لها الأوضاع، وتسود العالم، وتثبت عروشها بمقدار ما تأخذ من هذا الدين، وبمقدار ما تتمسك به، وبمقدار ما تستنير به من نهج كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

هذا الشرف وهذا الذكر الذي أشار الله عز وجل إليه في هذه الآية ليس لجيل من الأجيال، ولا لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فحسب؛ بل هو شرف وذكر لكل من رفع راية الإسلام، واستنار بنور القرآن.