للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القرآن الكريم شرف ومسئولية]

أيها الأخ الكريم! لقد أخبر الله تعالى أن القرآن شرف، وأخبر أيضاً بأنه مسئولية عظيمة تحملها هذه الأمة، وسوف تسأل عنها يوم القيامة، فما موقفي وموقفك يا أخي المسلم! بين يدي الله عز وجل يوم القيامة حينما يحضر الملايين من البشر ممن مات على غير ملة التوحيد والإسلام، فيقولون: يا رب! ما جاءنا من بشير ولا نذير، فيسأل الله عز وجل هذه الأمة: هل بلغتم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى هذا العالم؟

و

الجواب

أن كثيراً منهم لم يقم بهذا الدور، حتى أصبح المسلمون يعيشون في فتنة في كل العالم الإسلامي، وأصبحت للمسلمين في كل أرض قضية ومشكلة، وبلغ عدد المهاجرين من ديارهم عشرات الملايين، وعدد الذين يهددهم الجوع والفقر والمسغبة من المسلمين مئات الملايين، والمسلمون -والحمد لله- يملكون أكبر ثروة موجودة على وجه الأرض، هذه الثروات التي هي أيضاً مسئولية ثانية سوف نسأل عنها بين يدي الله عز وجل يوم القيامة.

إذاً: يا أخي المسلم! كما أن القرآن شرف لي ولك وللعالم كله، وبصفة خاصة للذين أنزله الله عز وجل بلغتهم فقال سبحانه وتعالى {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٥]، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم:٤] أي: بلغة قومه ليبين لهم، فشرفنا الله عز وجل نحن العرب بصفة عامة، وأهل الجزيرة بصفة خاصة، بأن أنزل القرآن بلغتنا، فأصبحنا نفهمه فهماً جيداً دون كلفة أو مشقة، فهو أيضاً مسئولية حملنا الله أمر تبليغها؛ حتى يفهم العالم كله هذا الدين.

واعلم أن ما يحدث من عداء لهذا الدين من قِبَل أعداء الإسلام إنما هو بسبب تفريط هذه الأمة، وضعفها في تبليغ هذه الرسالة.

أيها الإخوة الكرام! إن هذا القرآن العظيم قد أعجز الله فيه أرباب البلاغة والفصاحة، ولو ترجمناه -أي: نقلناه- بلغات هذا العالم، وفهم الآخرون حقيقته؛ لما وجدنا من يعادي هذا الدين؛ لأنه دين يوافق الفطرة، ودين لا يقبل الله عز وجل يوم القيامة سواه، ولو أفهمنا هذا العالم حقيقة هذا الدين، وعلمناهم هذا الكتاب العظيم الذي أنزل علينا وعليهم، ومنهج الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وعلم العالمون كلهم أن محمداً عليه الصلاة والسلام إنما هو رحمة لكل العالم كما قال الله عز وجل عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:١٠٧]؛ لأنه ينقذهم من النار ويدخلهم الجنة، لو علم العالم هذه الحقيقة لما انتفخ الكفر في أيامنا الحاضرة، ولما شعر المسلمون في كثير من أرجاء هذا العالم بالضعف والذلة.

ولا أزال أتذكر كلمة لأخٍ لنا في الإسلام، وهو أمريكي، كان يتحدث في أحد المساجد ذات يوم، فكان يخاطب الحاضرين ويقول لهم: السلام عليكم أيها الظالمون! أنتم ظلمة أيها المسلمون.

ويقول: نحن الأمريكان صنعنا الطيارة والسيارة، وصنعنا الثلاجة والغسالة وجميع وسائل الراحة، وأرسلناها لكم؛ لأنها كل ما نملك، وهي ثروتنا، ولربما تتمتعون بها أكثر مما نتمتع بها نحن، أما أنتم أيها المسلمون! فلديكم الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمان، وفيكم بعث محمد صلى الله عليه وسلم، وما بلغتمونا دعوة الإسلام في أمريكا، ولقد مات أبي وجدي وأمي وجدتي وكثير من الناس على غير الملة، إذاً أنتم ظلمتمونا حينما لم تبلغونا دعوة الإسلام.

ثم يستطرد هذا الأخ الكريم ويقول: بلغونا دعوة الإسلام، فليس الإسلام ملكاً لكم أيها العرب -أو أيها المسلمون- ولكنه للعالم كله، فبلغوا دعوة الإسلام في بلادنا، ثم قال بعد ذلك: قفوا! نحن لا نحتاج إلى تبليغكم، فإن الإسلام ينتشر عندنا في أمريكا أكثر مما ينتشر في البلاد الأخرى؛ لأن الأمريكان يقول: بدءوا يتعقلون ويفكرون في الأمور، فصاروا يدخلون في دين الله، حتى بلغ عدد المسلمين في أمريكا أكثر من عشرين مليوناً في أيامنا الحاضرة، ثم قال: نريد منكم شيئاً واحداً فقط، وهو ألا تكون هناك ازدواجية في بلادنا بسببكم، فنحن بدأنا ننشر الإسلام في أمريكا ونقول: إن الإسلام يحرم الخمر والزنا والخنزير وكل المحرمات، فيرون بعض أبنائكم الذين جاءوا من بلاد العرب يفعلون هذه الأشياء، فلا يصدقوننا في أن الإسلام يحرم هذه الأشياء، فامنعوا عنا أبناءكم؛ فإن ذلك أفضل دعوة تقدمونها لنا.

هكذا يتحدث هذا الأخ الكريم، نسأل الله لنا وله الثبات ولأمة الإسلام كلها.