للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كثرة الحديث عن الآخرة في القرآن الكريم]

إخواني في الله! إن الحديث عن القيامة حديث مهم جداً؛ ذلك أنها كما قال الله عز وجل: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء:١ - ٣]، ومن هذا المنطلق لابد أن يكون هناك حديث بين حين وآخر عن يوم القيامة، لاسيما إذا كان الحديث عن تصوير القرآن لتلك المشاهد والمواقف، وأنتم تعلمون أن القرآن جاء ليربط الدنيا بالآخرة، وليشد القلوب إلى الله وإلى الإيمان به، من أجل ذلك كان الحديث عن القيامة والحياة الآخرة طويلاً ممتداً في القرآن العظيم، ولعلنا نقول: إن السور المكية في أكثرها تتحدث عن مشاهد القيامة في القرآن إن لم تكن كلها، والآيات المكية أكثرها يركز على هذا الجانب، لا سيما أن هذه الأمة -أقصد أمة محمد- قد ابتليت بكثير من الذين استعملوا المقاييس المادية، سواء كان ذلك في ماضيها أو حاضرها، فقد قال قائلهم في القديم: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، وقال قائلهم في الحديث: إن هي إلا أرحام تدفع، وأرض تبلع، وليس هناك حياة آخرة، أو بداية أو نهاية.

ومن هنا كانت الحياة الإنسانية منغصة بدعايتين: الأولى: عن قدم هذا العالم وعدم فنائه.

أما القدم فإنه ادعى أن هذا الإنسان لم يوجد في فترة معينة، وإنما وجد نتيجة التفاعل الكيماوي والحيوي، كما تقول الشيوعية الملحدة، وكما يقول داروين ومن على شاكلته -عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة-: إن هذا الإنسان وجد نتيجة التعفن على هذه الأرض، ومعنى ذلك: أن الإنسان ولد كما تتولد الحشرات الضارة، كشيء من الطعام طال عليه الزمن فتولدت منه حشرات، فنمت هذه الحشرات حتى وصلت إلى قرد، ثم صارت إلى إنسان، وهاتان النظريتان نقضهما العلم، وهما: نظرية التفاعل الكيماوي والحيوي، ونظرية التطور، والله تعالى قد أخبرنا في القرآن كيف خلق هذا الإنسان.

الثانية: أنكر كثير من القوم في القديم والحديث البعث بعد الموت، وأنكروا حياة البرزخ والحياة الآخرة، وقالوا: {مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} [الجاثية:٢٤]، وعلى هذا فإن القرآن قد ركز -خصوصاً في الآيات المكية، أي: قبل أن يصل المسلمون ويقيموا دولتهم في المدينة- على هذا الجانب، كما ركز على جانب الوحدانية؛ لأن جانب البعث بعد الموت أمر ينكره القوم وقتئذٍ، فكانت أكثر وجُلّ السور والآيات المكية تتحدث عن هذا الموضوع، ولذلك لا تكاد تقرأ السورة من سور القرآن إلا وتجد فيها الحديث عن الحياة الآخرة والبعث والجنة والنار والحساب والصراط، وغير ذلك من الأمور التي تنتظر هذا الإنسان بعد حياته.