للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تساؤل أهل الجنة في الجنة]

ومثل هذا التساؤل تساؤل آخر في الجنة تقصه علينا نفس الآيات في سورة الصافات أيضاً، يقول الله بعد ذلك: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} [الصافات:٥٠] أهل الجنة وهم في الجنة، وذلك لما انتهى التساؤل بين أهل النار جاء التساؤل بين أهل الجنة، {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:٥٠]، أي: أهل الجنة، {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:٥١]، يقول: في يوم من الأيام كان لي صديق، وانتبهوا في اختيار الأصدقاء! كان لي صديق مشيت معه مدة من الزمن، وكان يقول: لا يوجد بعث ولا جنة ولا نار ولا عذاب، ودعنا نمتع أنفسنا ونتمتع بشبابنا وشهوات الحياة، والعمر ينقضي والشهوة تنقضي.

هكذا كان حاله مدة من الزمن، وحال هذا يشبه حال دعوات تقوم الآن في أيامنا الحاضرة.

يقول بعضهم لبعض: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:٥١ - ٥٢]، فأراد الله وصف حال هذا الصديق الذي أغواه صديقه، فأراد الله الهداية للثاني حتى يتعظ من الأول، وقيض الله له رجالاً صالحين انتشلوه من هذا الموقف فأخذوه إلى طريق الجنة، ولذلك هو يعبر بنفسه عن هذا الموقف فيقول: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} [الصافات:٥١ - ٥٢]، أي: هل تصدق ببعث وجنة ونار؛ فهو ينكر هذه الأشياء كلها.

بعد ذلك يقول لأصدقائه في الجنة الذين هداه الله على أيديهم، فذهبوا جميعاً إلى الجنة، يقول: ابحثوا لي عن هذا الصديق الذي كان في الدنيا يريد أن يغويني، ويريد أن يوردني المهالك، ويريد أن يكبني في النار، فصاروا يبحثون عنه وينظرون إليه من شرفات الجنة، فيجدوه يتقلب في نار جهنم -نعوذ بالله- فيطل عليه ويسخر منه، اسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:٥١ - ٥٤]، أي: أنه رأى ذلك الرجل الذي كاد أن يكون سبباً في شقائه في ذلك الموقف، رآه يتقلب في وسط جهنم، ماذا قال له؟ {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:٥٦]، يا عدو الله! كدت أن تدخلني معك النار، لولا أن الله تعالى رحمني بلطفه وهدايته، {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات:٥٧] بأن هداني، {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:٥٧]، لكنت مثلك اليوم، {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات:٥٨]، أنت في الدنيا تقول: ما نحن بميتين ولا بمبعوثين، والدنيا لا تنتهي، فالآن انتهت الدنيا وجاءت الحياة الآخرة، {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [الصافات:٥٨ - ٥٩]، ثم يقول الله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات:٦٠]، هذه هي البداية الصحيحة التي أنقذت مثل هؤلاء من عذاب أولئك.

هذا موقف علينا أن نهتم به، لاسيما وأننا نبتلى اليوم بجلساء وأصدقاء أشقياء يوشكون أن يكونوا سبباً لدمار وهلاك كثير من الناس، إذا لم يهيئ الله عز وجل لهم أسباب الهداية، ويقيض الله عز وجل لهم جلساء صالحين فينقذونهم من مثل هذه المآزق التي تكاد أن تمزق كثيراً من الشباب اليوم شر ممزق.