للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حرية الكلمة]

العامل الثالث من عوامل الاستقامة: حرية الكلمة.

وماذا نقول عن حرية الكلمة؟ حرية الكلمة التي يجب أن يُفتح لها المجال، سيما في البلاد الإسلامية، ونحن لا نتخيل وجود حرية الكلمة كما كان في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يخطب فيتكلم في تحديد المهور، فتقوم امرأة وتقول: يا أمير المؤمنين! كيف تحدد المهور والله تعالى يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا} [النساء:٢٠].

قد يكون هذا من الصعب بمكان، ومثله ما كان من عمر رضي الله عنه حينما كان يخطب فقال للناس: (اتقوا الله) فقام رجل فقال له: يا أمير المؤمنين! عليك ثوبان ولنا من ثوبٍ واحد! ومثله كذلك حين قال عمر رضي الله عنه: (إذا رأيتم مني اعوجاجاً فقوموني) وكان هذا في أول خطبة خطبها، فيقوم رجل في المسجد يهز سيفه ويقول: يا أمير المؤمنين! والله! لو رأينا منك اعوجاجاً لعدلناه بسيوفنا هذه.

فلم يقل رضي الله عنه: أين السلطات الأمنية؟! وإنما قال: (الحمد لله الذي جعل في هؤلاء الناس من يعدّل عمر بسيفه).

إننا نعرف أن هذا شيء بعيد، وليس هو على الله عز وجل ببعيد، إلا أننا لا نريد أن يكون هناك فوضى، ولكن مقصودنا من حرية الكلمة أن ينطلق دعاة الإسلام بحرية؛ لأنهم أوثق من يؤتمن على دين الله عز وجل، ولأنهم أوثق من يؤتمن على الدولة المسلمة التي تطبق شرع الله عز وجل، ولأنهم يحافظون على العهد والميثاق وعلى صفقة اليد التي سلموها للسلطة الشرعية، ولذلك فإنهم لا يُتّهمون.

نحن لا نريد حرية الكلمة لقوم يسبون الخالق سبحانه وتعالى أو يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم، أو يأتون برموز نحن لا نعرفها، فهذه تهدم الأخلاق وتهدم العقائد، كما أننا -أيضاً- لا نريد حرية الكلمة لقوم يصفون الحجاب بالتقوقع والتأخر والتخلف، ويقولون عن المجتمع المحافظ: إنه يتنفس برئة واحدة.

لأن هؤلاء لو أحضرناهم على مائدة المناقشة الصحيحة لما استطاعوا أن يثبتوا دليلاً واحداً على ما يقولون، ولكننا نحن نثبت بالأدلة الكثيرة أن الإسلام هو الذي رفع المرأة ورفع الرجل وأوجد من المجتمع الإسلامي مجتمعاً حقيقياً.

إذاً لا بد من حرية الدعوة، وهذه الحرية يجب أن تمنح للدعاة حتى لا يتحرك دعاة الباطل؛ لأن سنة الله عز وجل في هذه الحياة أنه لا بد من أن تكون هناك حركة، وهذه الحركة إما أن تكون بيد الصالحين المصلحين فتستقيم الأمم من ورائهم، وإما أن تكون بيد الفسقة فيضل الناس الطريق على أيدي هؤلاء.

وحينما لا تكون هناك حرية للكلمة الصالحة ولا حرية للدعوة الصحيحة، وحينما لا يتمكن الخطباء أن يقولوا للناس: اتقوا الله بملء أفواههم، وحينما يكون في أفواه الناس والخطباء ما لا يستطيعون أن يبوحوا به، أو إذا بدأ أحدهم يتحدث فإنه يتحدث وكأنه في مزالق، حينما يكون ذلك فإنها لا تقوم الدعوة إلى الله عز وجل.

ولذلك فإننا ننصح لمن يملك أمر المسلمين في كل مكان من الأرض أن يعطي الدعوة الإسلامية حريتها الكاملة حتى يختفي دعاة الباطل؛ لأن دعاة الباطل كالفئران، فحينما تسكن الحركة يتحركون، وكالخفافيش حينما يذهب الضوء تخرج في الظلام، لكن حينما تكون هناك دعوة إسلامية صحيحة على منهج كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تختفي تلك الفئران التي لا تخرج إلا حينما تهدأ الأوضاع، وتختفي تلك الخفافيش التي لا تخرج إلا في الظلام، وحينما يختفي النور فإن الظلام يخيّم على هذه الأرض، وحينئذ تكون الحركة للخفافيش وحدها في هذا الوجود، ويختفي دعاة الحق عن الساحة، وحينئذ تكون فتنة في الأرض وفساد عريض.

وعلى هذا فإن حرية الكلمة يجب أن تكون للمسلمين، ويجب أن تكون للدعاة، لكن يجب أن تكون منضبطة بحيث لا تمس أحداً لا يقف في طريقها، أما من وقف في طريق هذه الدعوة فإنها دعوة الله تعالى سائرة في الأرض ولو أسكتت في الأرض كلها، فلا بد من أن تمضي هذه الدعوة؛ لأن هذه الدعوة لا تستغني عنها البشرية أبداً، ولو أن أمة من الأمم عطّلت دعوة الله عز وجل لأصبح دعاة الباطل يقومون على قدم وساق، وحينئذٍ تكون فتنة في الأرض وفساد عريض، وأخشى أن يكون أول من يقف في وجه هذه الدعوة هو أول من يتحمل مسئولية وثمن هذا الإسكات، بحيث يتحطم أمام هذه الدعوات الفاجرة؛ لأنها لا تريد الأخلاق ولا المبادئ ولا النظم ولا شرع الله عز وجل، ولا تؤمن بدولة تقوم على شرع الله عز وجل، فهي أكبر عدو لها، أما دعاة الحق فإنهم يحفظون هذا العهد الذي بينهم وبين الله عز وجل مع هؤلاء المسئولين.

إذاً لا بد من أن يفسح المجال لدعوة الله عز وجل، وإذا فتح المجال لدعوة الله عز وجل فإن هذا العالم كله سوف ينضم إلى هذه الدعوة، وستتحطم تلك الأفكار وتلك المبادئ، وحينئذ يكون الدين كله لله عز وجل وحده.