للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية الزواج]

هذا الموضوع يجب أن يلقى أهمية لدى كل الناس الذين يريدون العفة والطهارة، ولذلك نقول: إن من وراء الزواج حكماً عظيمة، ومن أهم هذه الحكم: صيانة المسلم وحفظ مائه الطاهر حتى لا يقع في حرام، فإن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الإنسان، وجعل فيه الشهوة البشرية القهرية التي لا يمكن للإنسان أن يتخلص منها ذكراً كان أو امرأة، وهذه الشهوة هي سبب تكاثر بني آدم على الأرض، وهذه الشهوة لابد أن تنصرف إما في حلال أو حرام، فإذا انصرفت في حرام فذلك الزنا وما شابهه، وإذا انصرفت في حلال فذلك الزواج.

الزواج المشروع يبنى به العش الطاهر، وتقوم به الأسرة الكريمة، وتتكون فيه المجتمعات الإسلامية الطاهرة، لذلك حينما نقرأ سورة النور في نصفها الأول إلى قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥] نجدها تهتم بهذا الجانب من جوانب الحياة.

بل إن مما يلفت النظر في سورة النور سواء في مطلعها: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:١] أو في منتصفها حينما انتهى الحديث عن الفاحشة والجريمة والزواج: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النور:٣٤]، ثم قال بعد ذلك: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥]، وما بين هاتين الآيتين: (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا)، وقوله تعالى: (وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ) كله يتحدث عن العفة والطهارة وأسبابها، ونجد أنه بدأ بالحد الذي يوقف المجرم عند حده حتى لا يقع في الفاحشة، ثم عرج على حكم الحديث عن الفاحشة حتى لا تصبح مألوفة أمام الناس فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور:٤] إلى آخر الآيات، ولم يستثن من هذا الحكم إلا الزوج مع زوجته حينما يتهمها بالفاحشة فقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ} [النور:٦]، ثم انتقلت الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن الاختلاط بين الذكر والأنثى، ودخول البيوت دون استئذان وسلام، بحيث لا يتورع أحد عن أن يدخل بيت غيره فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧] أي: تستأذنوا.

ثم انتقلت بنا الآيات إلى النظر الحرام الذي هو سبب من أسباب الفاحشة، سواء في ذلك الرجل ينظر إلى المرأة أو المرأة تنظر بشهوة إلى الرجل، فإن النظر بحسب الفطرة البشرية يثير الشهوة؛ ولذلك ذكر الله تعالى النظر بجوار الفعل الحرام فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:٣٠] ثم قال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:٣١]، ثم أمر المرأة بأن تتحفظ من أن ينظر إلى زينتها أحد من غير محارمها فيكون ذلك سبباً في الفاحشة، فقال سبحانه وتعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:٣١] إلخ الآية.

وكل هذا يعتبر سداً منيعاً لمنافذ الجريمة حتى لا تنتشر في مجتمع من المجتمعات.

الشهوة فطر الله الناس عليها كما قال سبحانه: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:١٤]، ولابد أن يكون لها مصرف مباح، وإلا فسوف تتفرق في المجتمع فتحدث الفوضى والاضطراب، وتنشر الأمراض من الإيدز والسيلان والزهري وغيرها من الأمراض، وكذلك تنشر الأمراض الاجتماعية، وتوجد في المجتمع أولاداً غير شرعيين، وتسبب مشاكل وعقداً نفسية إلى غير ذلك.

إن الإسلام دين واقعي لا يحرم الإنسان من شهوته، لكنه ينظم هذه الشهوة، ولا يحول بين الإنسان وبين الشهوة الحلال لكنه يوجهها الوجهة الطيبة الصالحة السليمة، فشرع الزواج، وكان الأمر بالزواج سداً لآخر منفذ من منافذ الفاحشة والجريمة، ولذلك نجد آخر مرحلة من مراحل العلاج: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢ - ٣٣]، ثم قال الله بعد ذلك: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ} [النور:٣٤]؛ قال بعد ذلك: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ} [النور:٣٥]، وما طبق تلك الأوامر فإنه يقذف الله عز وجل في قلبه هذا النور، فيصبح في خير وسعادة.