للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكفاءة في الدين]

من هذه الأحكام: الكفاءة في الدين، فلا يتزوج المسلمة إلا مسلماً، ولا يتزوج المسلم إلا مسلمة أو كتابية، ويشترط أن تكون عفيفة طاهرة نقية، يطمئن إلى دينها وأخلاقها وسلوكها وفضائلها، ولربما فهم الناس عن هذه الكفاءة غير حقيقتها، فأصبح كثير من الناس لا يقيم وزناً للكفاءة الدينية، ويقيم وزناً للكفاءة الاجتماعية والنسبية، فوجد في المجتمع طبقتان في أيامنا الحاضرة، وظن بعض الناس أن هذه الطبقية جاء بها الدين، ومعاذ الله أن يأتي بها الدين! هذا خضيري وهذا قبيلي، هذا نسيب وهذا ليس بنسيب، ولربما توجد قبيلتان ويظن بعض الناس أن هذه أفضل من الأخرى، فيرى بعضهم أن هذه لا يمكن أن تزوج ذاك، وذاك لا يتزوج من هذه، وهذا خطأ، فمعيار الناس في دين الله واحد، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:١٣]، وقوله: (عَلِيمٌ خَبِيرٌ) يعني: أن هذا الحكم جاء عن علم وخبرة، فالمسلمون طبقة واحدة، والكفاءة واحدة، ويكفي أن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى)، ولو استعرضنا كل هذا العالم وأردنا أن نرجعه إلى نسب واحد فلابد أن نرجعه إلى آدم وحواء، فليس هناك جنس ولد من أب وأم غير آدم وحواء.

ولقد اهتم الناس بهذه الطبقية، وقسموا الناس إلى قسمين، وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم غير ذلك، الرسول صلى الله عليه وسلم أدنى الأباعد منه وأبعد الأقارب من خلال هذا الدين، ولذلك فإن المسلمين كلهم أمة واحدة {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:٥٢]، وفي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يثبت خلاف ما يصنعه هؤلاء الناس، الرسول صلى الله عليه وسلم زوج زينب بنت جحش وهي من صميم قريش بـ زيد بن حارثة، قد يقول قائل: إن زيد بن حارثة رجل عربي أصيل، نقول: نعم هو عربي أصيل، لكن طرأ عليه الرق مدة من الزمن، فأخذ أحكام الأرقاء، ومع ذلك تزوج زينب بنت جحش وهي من صميم قريش، وأيضاً هي بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زد على ذلك أنه لما طلقها زيد بن حارثة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:٣٧]، وتوجد كثير من هذه القصص التي حصلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عهد الصحابة، فـ بلال تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف وهي من صميم العرب، وبلال رضي الله عنه رجل من الحبشة، ولم يضره نسبه لما كان من الصالحين ومن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أظن أن أكثركم لا يوافقني على هذا الرأي، والحق أن هذا هو الأصل، لكن لو سألني سائل: هل أزوج أختي أو ابنتي التي ترجع إلى أصل أصيل برجل لا يعرف أصله؟ أقول: لا، إلا أن يتفق المجتمع كله على إلغاء هذه التفرقة فحينئذ أنا أوافق، وأتمنى أن يتفق المجتمع كله على إلغاء هذه التفرقة العنصرية؛ لأنها من بقايا الجاهلية، أما وهي الآن على أشدها فأنا أقول لأي إنسان يفكر أن يخرج على هذه القوانين وعلى هذه الأنظمة السائدة القبلية الموجودة الآن: لا تزوج إلا من كان من قبيلة معروفة؛ لأنه قد يقع من خلال هذه الأمور فساد في العلاقات الزوجية، فقد يترفع الرجل على زوجته بنسبه أو هي تترفع عليه بنسبها كما فعلت زينب بنت جحش رضي الله عنها مع زيد بن حارثة رضي الله عنه، لكن لو كان ذلك نظاماً متأصلاً في المجتمع، وجعلناه نظاماً اجتماعياً، واتفق الناس عليه؛ فإن هذا هو المصلحة، وهذا هو الخير، وهذا هو الذي يتناسب مع منهج الإسلام الصحيح {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:١٣]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).

إذاً: الكفاءة الأصل فيها الكفاءة في الدين، أما الكفاءة في النسب فقد فرضتها علينا الظروف الاجتماعية التي نعيشها، ونرجو من الله سبحانه وتعالى أن يوفق المسلمين حتى يعرفوا إلى أي أصل يرجعون، ويعرفوا من هو الكفء ومن هو غير الكفء.