للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[المهر]

ومن أحكامه: المهر، وهو: المال الذي يقدمه الزوج لهذه المرأة، وليس ثمناً، فإن المرأة إنسان حر لا تباع ولا تشترى، وإنما هي نفقة مقابل الاستمتاع بها، هذا هو معنى المهر في نظر الإسلام، لكن المهر أصبح في نظر كثير من الناس اليوم هو الثمن الباهض الذي يتحمله الزوج ليشتري به هذه المرأة من أبيها، وليتخذه ذلك الأب الشره وسادة يتوسد به ويتمتع به وكأنه مقابل النفقة التي قدمها لابنته مدى حياتها الأولى! هذا هو الفرق بين المهر في نظر الإسلام والمهر في نظر كثير من الناس، والحمد لله يوجد الصالحون الذين لا يقيمون وزناً لهذا المال، وهذا المهر في الحقيقة ليس للأب بل هو للمرأة، ولا يجوز للأب أن يأخذ منه درهماً واحداً إلا بإذنها، يقول الله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:٤] والخطاب للأزواج، وأيضاً الآباء يدخلون فيه حتى لا يتعرضوا لهذا المهر، والصدقات: جمع صداق، وهو المهر، ومعنى (نِحْلَةً) أي: هبة وعطية، ولا يجوز لأحد أن يأخذ له شيئاً من المهر إلا إذا طابت نفسها بشيء من ذلك {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء:٤].

وهؤلاء الذين يشترطون لأنفسهم من مهر المرأة آثمون، فيقول أحدهم: أنا أريد بيت، ابني يريد سيارة، أخوها الأصغر يريد كذا وكذا.

حتى أصبح المهر ليس مهراً، وإنما هو ثمن باهض، وأصبح اليوم يبلغ مئات الآلاف، وأدبر الشباب عن الزواج بسبب هذا المهر الباهض، وهذه مصيبة أيها الإخوان، وهذا يعتبر نوعاً من السرقة واللصوصية، وأخذه من المرأة يعتبر سبباً لفشل الزواج، ومن خلال اطلاعي على كثير من المشاكل الزوجية أستطيع أقول لكم: إن (٨٠ أو ٩٠%) من المشاكل الزوجية تبدأ من هذا المهر الباهض، كيف؟ قد يقام الزواج في الفنادق الراقية، وينفق عليه عشرات الآلاف من أجل الموائد والخراف التي ترمى بعد ذلك للكلاب، وتدفع مئات الآلاف مقابل هذه المرأة المسكينة التي قد لا يصل إليها من هذا المهر إلا جزء بسيط من الحلي، ثم إذا بهذا الزوج يفكر بأي ثمن جاءت هذه المرأة، والله لقد كلفتهم مئات الآلاف، فتصير امرأة ثقيلة على نفسه، وربما الديون أصبحت ثقيلة عليه، وكلما رآها تذكر تلك الديون وتلك القروض وتلك الأموال التي بذلها، فتصبح عبئاً ثقيلاً في نفسه، ويتوقع كثيراً أن يطلقها حينما تضيق به الأرض ذرعاً، لاسيما حينما يطالبه أصحاب القروض وأصحاب الديون، وهذا يحدث كثيراً، وهب أنه قدم هذا المال الكثير من ماله، فإنه يتصور أنه بذل فيها مالاً كثيراً فيريد أن يستغل هذا المال ولو على سبيل إهانتها وإهانة أبيها وأمها.

هذه نتيجة من نتائج المهر الذي يغالي فيه الناس، والمهر اليسير يزيد في البركة، فأي امرأة دخلت على زوجها بدون تعب ولا مشقة تكون محبوبة إلى نفسه، محببة إلى قلبه، ويجد أن بينه وبينها علاقات أخوية؛ لأنها لم تكلفه ذلك الثمن الباهض، ولم ير ذلك الأب قد صار يتمتع بذلك المال، ويشتري به قصراً أو يبني به بيتاً أو يحدث به مزرعة أو يلعب به، والمرأة هي التي تقاسي مشاكل ذلك المهر الذي تجاوز به الزوج الحدود، وأكثر ظني أنه لا يقدم المهر الكثير إلا الأناس الذين لا يرغبون في المجتمع، والذين يريدون أن يقيموا لهم قيمة من خلال هذا المال لا من خلال قيمتهم الاجتماعية، والرسول صلى الله عليه وسلم دعا إلى تخفيف المهر فقال: (أكثرهن بركة أيسرهن مئونة)، قلل المئونة وستجد البركة في ذلك، لا تطلب أيها الولي المال الكثير، ولا تطلبي أيها الأخت الراغبة في الزواج المال الكثير، وأنا أضمن البركة لكل هؤلاء الناس؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بذلك، وهو لا ينطق عن الهوى.

من خلال هذا الشره ومن خلال هذا البذخ الذي أصيب به المسلمون في حين غفلة منهم عن دينهم، كثرت المشاكل الزوجية، وهذه ناحية خطيرة، وأخطر منها أن البنات عنسن في البيوت، وماذا فعل الشباب؟ الشباب على قسمين: شباب صالح يتحمل ويتصبر ويقاسي آلام العزوبة وينتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله قال لهم: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣]، هذا طالب لا يتقاضى إلا ثلاثمائة ريال، وذاك موظف لا يتقاضى إلا ألف ريال، أو هب أنه يتقاضى أموالاً كثيرة فهو بحاجة إلى أن يبني بيتاً، وأن يعد نفسه، فمتى يستطيع أن يجمع هذه الأموال الطائلة، الذي حدث أن هذا النوع الأول الصالح يعيش صابراً على أعصابه، لاسيما في عصر الفتنة التي نعيشها اليوم، من الإعلام الذي يعرض الفتن والنساء والصور والمجلات، وكلها تتعاون في هذه المهمة، ومع ذلك هو يتحمل ويعيش على أعصابه.

وهناك شباب كثير وأظنهم السواد الأعظم بدءوا يتفلتون عن القيد، وصاروا يسافرون بالآلاف وعشرات الآلاف ومئات الآلاف يبحثون عن الفاحشة، وهم غير معذورين، ولكني متأكد أن الذين كانوا سبباً في غلاء المهور ورفعها وإيجاد هذه النظم الجائرة في المجتمع سوف يتحملون بمقدار ما يتحمله هذا الشقي الذي صار يبحث عن الجريمة، ويسافر للجريمة، ويطارد النساء في الأسواق ويغازلهن، سيتحمل هؤلاء الذين أوجدوا هذا الخلل الاجتماعي في هذا المجتمع كما يتحمله ذلكم الشقي الذي يبحث عن الجريمة، وكل واحد من هؤلاء الناس سيتحمل المسئولية أمام الله عز وجل.

إخواني في الله! الرسول صلى الله عليه وسلم يروي عن الله عز وجل أنه يقول: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل باع حراً فأكل ثمنه) إلخ، وأظن أن الذي يطلب هذه المبالغ الطائلة إنما يجعل هذه المبالغ ثمناً لهذه البنت، فكأنه باع حراً فأكل ثمنه، ويكون خصمه الله عز وجل يوم القيامة.