للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صلة قوله عز وجل: (الله نور السماوات والأرض) بالآيات التي قبلها والمقصود بالنور فيها]

ثم قال الله بعد ذلك: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:٣٥]، ما صلة هذه الآية بالآيات السابقة؟ هذه الآية ستجدونها تتحدث عن نور الإيمان؛ لأن أكثر علماء المسلمين يقولون إن معنى قوله: (مَثَلُ نُورِهِ): نور الإيمان، وليس المراد به نور الله عز وجل الذي هو اسم من أسمائه وصفة من صفاته؛ لأن النور اسم من أسماء الله عز وجل وهو يتضمن صفة من صفاته.

إذاً: نحن نتأكد هنا أن المراد بالنور ليس نور الله عز وجل الذي هو اسم من أسمائه، فإن من أسماء الله عز وجل النور، ومن صفاته النور، كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (أنت نور السماوات والأرض)، وقوله: (أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات)، وقوله: (حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره).

وهناك نور آخر مخلوق، وهو نور الإيمان الذي يضعه الله عز وجل في قلب المؤمن؛ ولذلك شبهة هنا، ولو كان المراد بالنور اسماً من أسماء الله ما كان يجوز تشبيهه؛ لأن أسماء الله عز وجل وصفاته لا يجوز أن تشبه بمخلوق من المخلوقين أبداً.

إذاً: صلة هذه الآية: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:٣٥] بالآيات السابقة أن تلك الأوامر السابقة والنواهي التي مرت في في نصف السورة الأول هي نور الله عز وجل في قلب المؤمن، أي: إذا أراد الله عز وجل لإنسان السعادة وضع في قلبه هذا النور، فأصبحت تلك المحرمات التي سبق ذكرها من دخول البيوت، ومن النظر إلى الحرام، ومن الشهوة الحرام إلى غير ذلك بعيدة عنه؛ لأن هذه كلها إنما تكون في قلوب ضعف أو فقد فيها النور.

لكن هذه القلوب التي نورها الله بنور الإيمان ترفض تلك الأمور كلها ولو كانت تناسب وتوافق شهوة الإنسان بطبيعته البشرية؛ فالإنسان بطبيعته البشرية يميل إلى الشهوة، لكن النور إذا دخل في القلب كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (انفسح وانشرح، قالوا: وما علامة هذا النور يا رسول الله؟! قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله)، فهذه هي علامة النور.

إذاً: هذه الآية ترتبط بما سبق من تلك الأوامر السابقة في النصف الأول من سورة النور التي لا يوفق لها إلا من ملأ الله عز وجل قلبه بنور الإيمان.

فقوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:٣٥]، أي: منورها، وفي قراءة سبعية: (الله نوَّر السماوات والأرض)، وهذا يؤيد أن المقصود به: النور الحسي لا النور المعنوي، أو النور الحسي والمعنوي، لكن المراد به: النور الذي ليس صفة من صفات الله، وليس اسماً من أسماء الله عز وجل.

وقوله: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) أي: هو الذي نورها، ووضع فيها الشمس والقمر والكواكب، ووضع فيها النور المعنوي أيضاً، والنور المعنوي هو نور الإيمان الذي أشعله الله تعالى في قلوب المؤمنين، كما قال صلى الله عليه وسلم لما ذكر القلوب: (قلب فيه مثل السراج يزهر)، أي: فيه نور كالسراج دائماً وأبداً.

وفائدة هذا النور: أن الإنسان إذا أراد أن يفعل شيئاً يكتشف بهذا النور أهذه طاعة أم معصية، وإذا أراد أن يفعل الطاعة بهذا النور يكتشف أهذه طاعة ترضي الله أم أنها مبتدعة في دين الله تعالى.

إذاً: هذا هو فائدة النور، ولذلك هناك قلوب مظلمة، نسأل الله العافية والسلامة، والدليل على ظلام هذه القلوب: أنها تفعل ما تريد من معاصي الله، وتأكل ما تريد من أموال الناس، ولا تميز بين الحلال والحرام، حتى الربا لا تعرف أنه ربا، ولربما تعرف أنه ربا، لكن الله تعالى طمس على هذا القلب فأصبح القلب مظلماً.

إذاً: النور هنا المراد به نور الإيمان، وبهذا عرفنا صلة هذه الآية بما سبق من الآيات، وأنه لا يوفق إلا من نور الله قلبه، أما من أظلم قلبه فإنه لا يبالي بأوامر الله سبحانه وتعالى، ويؤدي به ذلك إلى أن يقترف ما يشاء مما حرم الله، ويترك ما يشاء مما أوجب الله، كما قال الله عز وجل في سورة الأنعام: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ} [الأنعام:١١٣] تستقر القلوب عليه {وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} [الأنعام:١١٣]؛ لأن القلب قد أظلم، وكما سيأتينا -إن شاء الله- في صفات الكافرين أنه لما أظلمت قلوبهم نسو الله وغفلوا عن الدار الآخرة، ونسوا الموت، ولم يؤمنوا بالجنة ولا بالنار، ولم يؤمنوا بكل ما أخبر الله عز وجل عنه، وهذه هي صفات من أظلمت قلوبهم.

أما من نور الله قلبه فإنه وإن فعل معصية من معاصي الله تعالى، إلا أنك تجد أن هذا النور يكشف له الأمور الخفية، أو الأمور التي لربما يقع فيها الإنسان في حين غفلة.