للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله: (يهدي الله لنوره من يشاء)]

وقوله سبحانه: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥]، هذا هو الدليل الثاني على أن المراد هنا بالنور هو نور الإيمان، وليس المقصود اسماً من أسماء الله عز وجل، يقول الله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ) أي: نور الإيمان، (مَنْ يَشَاءُ)، فليست الهداية تدرك بالآباء والأجداد والأمجاد، وليست بالذكاء، فكم من الأذكياء من مات على ملة غير ملة الإسلام! وكم من أبناء الصالحين من مات على غير دين وعلى غير ملة! فهذا نوح يقول لابنه: {ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:٤٢]، فيقول: {سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:٤٣]، فما هداه الله وهو ابن نوح أول المرسلين عليهم الصلاة والسلام.

وإبراهيم يموت أبوه على ملة الكفر، فمعنى ذلك أن الهداية من الله عز وجل، وليست أمراً يكتسب بالذكاء، ولا يورث من الآباء والأجداد والأمجاد.

وقوله: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)، في هذه الآية أن الهداية بيد الله عز وجل، ولا وجه لأن يستدل بهذه الآية الجبرية، فالجبرية نعرف أنهم أصحاب مذهب فاسد؛ فهم يقولون: كيف أن الله عز وجل يقدر المعصية على الإنسان ويعذبه عليها؟ ونقول: إن الله تعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، لكن هنا يقول الله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)، فالمشيئة لله عز وجل، لكن للإنسان مشيئة، ومشيئة الإنسان مرتبطة بمشيئة الله عز وجل، فمشيئة الإنسان ليست مستقلة، إنما هي مربوطة بمشيئة الله عز وجل، ولذلك أثبت الله للإنسان مشيئة، وأثبت المشيئة الأصل لله عز وجل.

وهنا قال عز وجل: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)، وقال في آية أخرى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير:٢٨]، فنجمع بين هذه الآيات التي فيها إثبات المشيئة لله عز وجل وإثبات المشيئة للمخلوق أن للمخلوق مشيئة لكن المشيئة الغالبة والنافذة هي مشيئة الله عز وجل، وأن مشيئة الإنسان خاضعة لمشيئة ولإرادة الله سبحانه وتعالى.

إذاً: لا حجة للجبرية الذين يقولون: كيف يجبر الإنسان على أعماله ويعاقب عليها؟ فنقول: الله تعالى له الحكمة في ذلك؛ لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.

يقول الله تعالى: {وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:٣٥]، أي: أن هذه الآية مثل ضربه الله عز وجل للناس، فمن أراد أن يعرف الحق، وأن يبحث عن الإيمان وعن نور الإيمان، فهذا هو مثل ضربه الله تعالى، ونور الإيمان هو الذي يكشف للإنسان ما ينفعه وما يضره.