للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أعمال الكفار كالشراب أو كالظلمة في اللجة]

إذاً: أعمالكم أيها العلمانيون! كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.

قال عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور:٣٩]، أي: إذا جاء الظمآن إلى السراب لا يجده شيئاً، ويجد العمل الذي عمله على غير صواب وعلى غير منهج صحيح لا شيء، {وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} [النور:٣٩]، أي: وجد الله عز وجل عند عمله، {فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ} [النور:٣٩]، أي: ما نقصه الله عز وجل، لكن حسابه سيء، وأعماله سيئة، {وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:٣٩]، أي: لا يعجزه أمر من الأمور، فيحاسب الخلائق في لحظه واحدة، وهذا هو النوع الأول من الأعمال السيئة.

النوع الثاني: قال عز وجل: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:٤٠]، والأعمال على نوعين: أعمال ظاهرها الصلاح تشبه السراب؛ لأن ظاهرها يختلف عن باطنها، والسراب له ظاهر وله باطن، فظاهره يشبه الماء، وباطنه لا حقيقة له، أما الأعمال الأخرى فهي فساد، ومعاص فوق معاص، وسيئات وراء سيئات، وكفر يجر وراءه آثاماً، ولذلك شبه الله تعالى أعمال الكافرين وهم يعملون السيئات تلو السيئات، والكفر بعد الكفر شبههم بإنسان غاص في قعر البحر، وكان البحر عميقاً، وكان هذا البحر العميق لجة، واللجة الماء الكثير، فكان فوقه موج، وفوق الموج موج آخر، والأمواج بطبيعتها تغطي ضوء الشمس، وتغطي النور؛ لأنها تضطرب بالماء، فتحصل حركة تخفي الضوء، وفوق الموج الثالث سحاب، فلو أن شخصاً غاص في البحر في مثل هذه الحال، وأراد أن ينظر إلى يديه فإنه لا يراها ولو رفع يده لينظر إليها من قعر البحر فإنه لا يراها من شدة الظلام.

إذاً: أعمالهم كهذا الشكل، (كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ)، أي: عميق كثير الماء، (يَغْشَاهُ)، أي: يغطي هذا الإنسان موج، (مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ)، يعني: فوق الموج الأول موج آخر، (مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ)، أي: من فوق الموج الثالث سحاب، والسحاب بطبيعتها تحجب ضوء الشمس، {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:٤٠]، ولو أراد أن ينظر إلى يده فإنه لن يراها.