للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الشرط الأول: الإيمان]

الإيمان معناه: التصديق الجازم بوجود الله.

وما كانت هذه الكلمة لترد لولا أن هناك من يشكك في وجود الخالق سبحانه وتعالى، علماً أن هذا التشكيك يتنافى مع الفطرة، ولذلك يقول المؤرخون: لم يعرف العالم خلال التاريخ الطويل فترات أنكر فيها الخالق سبحانه وتعالى إلا في فترات مظلمة محدودة تلخص في مواقع ضيقة، كما في عهد الفرس، فهم شككوا في وجود الخالق، وكذلك الفلاسفة شككوا في وجود الخالق سبحانه وتعالى.

ويروي لنا التاريخ في عهد أبي حنيفة رحمه الله: أنَّ ناساً طلبوا من شيخ أبي حنيفة أن يثبت لهم وجود الخالق سبحانه وتعالى.

فتقدم لهم الإمام أبو حنيفة نيابة عن شيخه، وكان يومها لم يزل شاباً لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره، فقال: أنا الذي أخبرهم بوجود الخالق بدليل عقلي.

وحدد يوم للمناظرة وكان المكان خلف نهر دجلة في العراق، واجتمع كثير من الناس لحضور المناظرة والنقاش بين أبي حنيفة وبين هؤلاء، فتأخر أبو حنيفة قليلاً عن الموعد المحدد واجتمع الناس.

فلما جاء أبو حنيفة متأخراً قليلاً قيل له: إنك تأخرت! قال أبو حنيفة: ما تأخرت، لكني وقفت على حافة النهر أبحث عن قارب يحملني إليكم فما وجدت إلا قارباً صغيراً يعوم في الماء بدون قائد، فأشرت إليه فجاء فحملني إليكم ثم رجع، فقالوا: انظروا إلى أبي حنيفة المجنون يقول: إن قارباً جاء إليه وحمله ورجع وليس له قائد.

ثم قالوا له: يا أبا حنيفة! أأنت مجنون؟ قال: لا.

فإذا كنتم تتصورون أن هذه الحياة بكل أفلاكها وعظمتها وسمائها وأرضها تدور وتتحرك بدون قيادة، ولا تتصورون أن قارباً صغيراً يستطيع أن يعبر نهر دجلة بدون قيادة فأنتم المجانين.

فغلبهم بحجته رحمه الله تعالى.

وقبل ذلك كانت مرحلة الفراعنة بما فيها من إنكار الخالق سبحانه وتعالى، كما حدث لفرعون موسى حينما قال للناس: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] ويقول سبحانه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤] فهي في الحقيقة مؤامرة كاذبة من أجل العلو في الأرض، وهذا هو المنهج الذي سلكته الشيوعية مدة تزيد على سبعين عاماً وهي تقول للناس: لا إله والحياة مادة.

إلى أن سقطت بحمد الله وفضله، فعرف الناس أن كل هذه المبادئ تتساقط بين حين وآخر.

إذاً الإيمان بالخالق سبحانه وتعالى فطرة فطر الله الناس عليها، كما قال الله عز وجل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:٣٠]، فهذه الفطرة نطق بها كل مخلوق من بني آدم قبل أن يخرجوا إلى هذه الحياة بشكلهم الطبيعي، يقول عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:١٧٢] ولذلك هذا العهد ينساه طائفة من الناس أو يتناسونه، وهو ما عناه الله تعالى بقوله: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} [الأعراف:١٠٢]، فالإيمان بالخالق سبحانه وتعالى فطرة، لكن هذه الفطرة ربما تتأثر بكثير من المؤثرات، وأظن أن الفطرة في وقتنا الحاضر -والحمد لله- قد بدأت تعود إلى طبيعتها وإلى مجاريها الطبيعية، وقد تأثرت هذه الفطرة منذ زمن ليس بالبعيد، ولكن كفى الله المؤمنين القتال، فالإيمان بالله عز وجل والإيمان بملائكته ورسله واليوم الآخر وغير ذلك من الأمور التي أخبر الله عز وجل عنها كلها تعتبر نوعاً من الإيمان الذي هو شرط من شروط كون المستقبل لهذا الدين، والإيمان بوحدانية الله عز وجل والإيمان بأسمائه وصفاته كل ذلك من شروط التمكين.