للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قوله تعالى: (ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه)

ثم بعد ذلك الله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) وهذه آية كونية من آيات الله، فمن يستطيع أن يعلق هذا السحاب بين السماء والأرض؟ فهي آيات عظيمة.

وقوله: (يزجي) أي: يرسل ويبعث سحاباً ينطلق من البحار والهواء، ومما لا يعلمه إلا الله عز وجل، ويتجمع في السماء كالجبال، يزجيه ويجمعه، ثم يسوقه سبحانه وتعالى إلى مواقعه التي يريد أن ينزل فيها المطر، وهذا السحاب العظيم محمل بالمياه الثقيلة، ويسير بين السماء والأرض بقدرة الله عز وجل، كما أمسك الطير في السماء أمسك السحاب أيضاً بين السماء والأرض، ولذلك هذه آية كونية أخرى تشبه الآية الكونية السابقة.

ألم تعلم أيها الإنسان؟ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا)؟ و (سحاباً) جمع سحابة، وهي القطعة من الغيم، (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) يجمع بعضه على بعض (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا) فيرتص ويتراكم بعضه فوق بعض، حتى تكون السحابة العظيمة السوداء في السماء آلاف الأمتار بقدرة الله سبحانه وتعالى وهي محملة بالمياه ومعلقة بين السماء والأرض، إذاً من يستطيع ذلك؟ لا يستطيعه إلا الله عز وجل.

(فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) المطر يضعه الله تعالى في فتوق هذا السحاب، فيبدأ الماء ينزل، فإذا أراد الله تعالى أن ينزل الماء لا ينزله إلا الله عز وجل.

وقد كتبت كاتبة تقول: متى ننزل المطر بإرادتنا؟ وهل يستطيع الإنسان أن ينزل المطر بإرادته؟! الله سبحانه وتعالى هو المسيطر على هذا الكون والسحاب، لا ينزل ذلك إلا بإرادة الله عز وجل، إذاً الله تعالى يقول: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا) ينزل بإرادته لا بإرادة مخلوق من المخلوقين (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ) أي: المطر يتفتق هذا السحاب فينزل (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)، أي: من فتحات هذا السحاب بقدرة الله سبحانه وتعالى إذا أراد أن ينزل، لا بقدرة المخلوق، فقد تمر السحابة العظيمة المحملة بالمياه الثقيلة ولا ينزل في هذا المكان، وينزل في مكان آخر حسب إرادة الله، وبمقدار ما يوجهه الله سبحانه وتعالى.

(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ) قد ينزل برداً بدلاً عن الماء، وقد يهلك بدلاً من أن يكون سبيل رحمة، وهذه الجبال الموجودة بين السماء والأرض كناية عن السحاب العظيم المثقل بالماء، فكأنها أصبحت كالجبال، خلافاً لما يقوله بعض المفسرين بأن هناك جبالاً من برد في السماء متجمدة تنزل إذا أراد الله.

والذي يظهر -والله أعلم- أن هذا من باب التشبيه، فهناك سحاب ثقيل عظيم كأنه الجبال، وأنت تشاهد هذا السحاب إذا ركبت الطائرة وقد علت من فوق السحاب، فترى سحاباً كالجبال.

إذاً قوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ) أي: من سحاب كالجبال -والله أعلم- من شدة ارتفاعه في السماء، ولما يحمله من مياه ثقيلة، ولتجمعه وتراكمه، فقد ينزل منه برد يتجمد بين السماء والأرض، فيكون هذا الماء برداً، وربما يكون ضاراً، والإنسان لا يعرف مصلحته أفي هذا السحاب أم في غيره.

(وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا) أي: في السماء (مِنْ بَرَدٍ) مياه متجمدة، (فَيُصِيبُ بِهِ) أي: بالمطر أو بالبرد (مَنْ يَشَاءُ) أي: من أراد الله تعالى إنزاله عليه (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ) فهي قدرة إلهية وليست قدرة بشرية، فلو كان هذا الإنسان بيده قدرة ما كانت تمر فوقه سحابة إلا ويمتص ما فيها من ماء؛ لأن هذا الماء هو سبب حياة البشر، وسبب حياة الأرض، وسبب زينة الأرض، لكن الله عز وجل هو الذي يوجه هذا الأمر بقدرته وإرادته، لا بإرادة هذا الإنسان، ولذلك الله تعالى يقول: (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ) بقدرة إلهية، وهذا المطر عظيم، وهذا السحاب عظيم له برق لامع، يكاد من شدة برقه أن (يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ) لشدة لمعانه، (يَكَادُ سَنَا) أي: ضوء برقه (يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ) من شدة لمعانه.