للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار)]

هناك آية أخرى يراها الإنسان في كل يوم وليلة، ويراها الإنسان في كل سنة عدة مرات، ولربما يراها في الصباح والمساء، يزيد الليل ويزيد النهار، ويكون الليل أطول من النهار أو النهار أطول من الليل حسب فصول السنة، في كل يوم يحصل هذا التغير، وليلة باردة وليلة حارة، ويوم بارد ويوم حار، تقلب بإرادة الله عز وجل، فمن يستطيع أن يفعل هذا الفعل؟ لا يستطيع ذلك إلا الله، ولذلك من آيات الله عز وجل الكونية أنه يقلب الليل والنهار، فيزيد الليل لينقص النهار، ويزيد النهار لينقص الليل، ويجعل الوقت بارداً أو حاراً أو متوسط البرودة والحرارة، إذاً هذه من آيات الله عز وجل.

ولو نظرت إلى الساعة في هذا اليوم وقارنتها بالساعة في مثل هذا اليوم لسنوات مضت منذ آلاف السنين فلن تجد أن هذا الكون يختلف، أو أن هذا الزمن يختلف لحظة واحدة، فمن نظم هذا الكون بهذا المقدار وبهذه الدقة التي لا يستطيعها إلا الله عز وجل؟ إنه الله سبحانه وتعالى، ولذلك تقليب الليل والنهار بزيادة ونقص، وطول وقصر، وبرودة وحرارة لا يستطيعه إلا الله عز وجل، فهذه الدقة في الصنعة آية من آيات الله، فالله تعالى يقول: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بالزيادة والنقص وغير ذلك (إِنَّ فِي ذَلِكَ) أي: في تقليب الليل والنهار (لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ) أي: آية ودليل قاطع يعتبر منه الإنسان، لكن لا يتعظ بذلك إلا أولوا الأبصار، أما الماديون فيقولون: المادة هي التي تصنع هذا الشيء.

والدهريون والملاحدة يقولون: هذا الفضاء يسبح بطبيعته، ونظم نفسه.

فهل يستطيع أن ينظم نفسه بنفسه؟ ومن يستطيع أن ينظم هذا الكون بدقة؟ فهذا النظام الذي وضعه هو الله عز وجل وصفه في هذه الحياة، خلاف ما يعتقده الملاحدة الذين يظنون، بل لا أظنهم يظنون، بل أنا متأكد أنهم يؤمنون بقرارة أنفسهم؛ لأن الإيمان فطرة، ولكنهم يريدون أن يخالفوا هذا الإيمان لمصالحهم، كما قال فرعون: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:٣٨] والله تعالى يقول عنه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل:١٤].

إذاً معنى ذلك أن هذا النظام الرتيب الذي وضعه الله عز وجل في هذا الكون أعظم دليل على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وعلى قدرته ووحدانيته، ولذلك الله تعالى يقول: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ} [النور:٤٤] لكن لا يستفيد من هذه الأدلة ومن هذه الدروس إلا أولوا الأبصار وأصحاب العقول.