للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قوله تعالى: (والله خلق كل دابة من ماء)]

هناك دليل آخر نشاهده نحن في أنفسنا، وفيما يعيش معنا من مخلوقات الله من الزواحف والحيوانات والطيور والحشرات وغير ذلك، في هذه المخلوقات وهي تتفاوت في شكلها وفي طريق سيرها ومشيها، فما هي الآية؟ يقول الله سبحانه وتعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ) الدابة: هي ما يدب على وجه الأرض.

وهل المقصود بذلك ما يدب على وجه الأرض أم المراد به كل ما يدب من الملائكة التي تدب على سطح السماء، والجن الذين يدبون على وجه الأرض ونحن لا نراهم، والطيور التي تعيش بين السماء والأرض، إذ كلها تسمى دابة؟ إن الدابة مأخوذ من الدبيب، والدبيب معناه: السير البسيط الخفيف، لكنه يطلق على مجرد سير، إذاً الله عز وجل خلق كل دابة من ماء، ما هو هذا الماء؟ يحتمل أن المراد بالماء ماء الذكر الذي يختلط بماء الأنثى، ويرد على هذا بعض الأمور، فهناك من لم يخلق من هذا الأمر، فآدم خلق من تراب ولم يخلق من هذا الجنس، والجن خلقوا من النار، والملائكة خلقوا من النور، وهناك ما يتولد من التعفن كالبكتيريا وغيرها، إذاً يحتمل أن المراد بالماء هنا أصل الماء؛ لأن أول ما خلق الله عز وجل في هذا الكون الماء، فكان أول المخلوقات، حتى لو قلنا بالرأي الأول نقول: المراد (بالماء) الماء المعروف، وليس المراد ماء الذكر والأنثى، وهل كل شيء خلق من ماء؟ نعم حتى النار خلقت من الماء، لأنها لا تشتعل إلا بالشجر الذي خلق من الماء، وحتى الحشرات المتعفنة تتعفن من مادة لا بد أن فيها أصل الرطوبة، إذاً الله أعلم بالمراد، هل الماء أصل المخلوقات، الذي خلقه الله عز وجل قبل أن يخلق شيئاً في هذا الكون، وأوجد من هذا الماء كل هذه المخلوقات حتى الأرض وجدت من هذا الماء؟ الله أعلم بذلك.

(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) كالزواحف والحيات التي ليس لها أرجل ولا أيد، تزحف زحفاً على الأرض (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ) و (من) هنا لا تأتي إلا للعاقل، لكن جيء بها هنا لأن العاقل هو أفضل هذه المخلوقات.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطيور وما أشبه ذلك (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ) كالحيوانات وغيرها.

إذاً فأكثر المخلوقات على ثلاثة أنواع: منها من يمشي على بطنه كالزواحف، ومنها من يمشي على رجلين كالطيور والإنسان، ومنها من يمشي على أربع كسائر البهائم، لكن وجد على وجه الأرض من يسير على أكثر من أربع بأقدام كثيرة، فهذه نقول: تأتي بطريق التبع؛ لأنها قلة، أما أكثر المخلوقات التي تحدث الله عز وجل عنها -وهي ترى دائماً- فهي من يمشي على بطنه أو من يمشي على رجلين أو من يمشي على أربع، وما سوى ذلك فهو داخل في القلة والندرة.

(يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) يعني: هذه قدرة الله سبحانه وتعالى وليست قدرة المخلوق، فليس للمخلوق يد في صنعها.

(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ومن قدرته أن جعل هذه المخلوقات متفاوتة، فصار منها ما يزحف زحفاً على الأرض بدون أرجل، ومنها ما يمشي على رجلين، ومنها ما يمشي على أربع، ومنها ما يمشي على أكثر من ذلك، إذاً هي قدرة الله عز وجل.