للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها)]

تبدأ الآيات بصفات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: الصفات التي يجب أن تتحلى بها المرأة المسلمة عموماً، لكنها يجب أن تبدأ من أفضل النساء وتنتهي بأي امرأة مسلمة، وسبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٢٨ - ٢٩] أن زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتفقن ذات يوم على أن يطلبن النفقة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو الذي لو شاء لسارت معه جبال الدنيا ذهباً وفضة- قد قدر الله عز وجل عليه عيشه فلم يوسع له؛ لأن له الحياة الآخرة، فكن في ضيق من العيش، وضنك من النفقة، فاتفقن ذات يوم على أن يقدمن احتجاجاً، يطلبن فيه زيادة في النفقة.

فدخل أبو بكر وقد ظهرت علامات الغضب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أبو بكر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبتسم، فقال: (يا رسول الله! لو رأيت زوجتي طلبت مني نفقة فقمت فوجأت عنقها؛ فابتسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: هن هؤلاء حولي يطلبن النفقة، فقال: يا رسول الله! إن شئت أقوم فأجأ عنق عائشة -أي: بنته- قال: لا)، ثم بعد ذلك أنزل الله عز وجل هذه الآيات، يخيرهن بين زينة الحياة الدنيا وبين المتاع الخالد في الحياة الآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} [الأحزاب:٢٨]، المتاع اللذيذ، القصور الفارهة، هذا ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو عند غير الرسول الله صلى الله عليه وسلم الذين وسع الله عليهم في الرزق، أما إذا كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فعليكن أن تصبرن على شظف العيش في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن كلهن: بل نختار الله ورسوله، فبعد ذلك نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عليهن كما سيأتينا في آيات لاحقة إن شاء الله.

إذاً: هذا هو سبب نزول هذه الآيات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:٢٨ - ٢٩].

وعلى هذا فإن المرأة المسلمة إذا اختارت الرجل الصالح فلم يوسع الله عز وجل له متاع الحياة الدنيا أو لم يعطه من الشرف ما أعطى سائر الناس، أو غيره من أمور أخرى تهواها المرأة، فعليها أن تصبر وتتحمل؛ لأن هذه هي سنة الله عز وجل في هذه الحياة، ولربما يفتح الله عز وجل لهذا الإنسان الحياة الدنيا، ويعطيه أيضاً الحياة الآخرة، لكن المرأة الصالحة عليها دائماً وأبداً أن تختار السعادة الخالدة، وأن تختار الرجل الصالح، فنساء الرسول صلى الله عليه وسلم اخترن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان هناك شظف شديد من العيش.