للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نشاط دعاة الباطل وضعف دعاة الحق]

الأمر الثامن: نشاط دعاة الباطل وضعف دعاة الحق، واسمحوا لي أن أقول: إن هذه من أكبر العقبات التي تعترض سبيل المؤمنين إلى الله عز وجل وإلى الدار الآخرة، ولا ينشط دعاة الباطل إلا حينما ينام دعاة الحق، ولا ينام دعاة الحق إلا حينما يخافون على أرزاقهم أو على حياتهم من غير الله عز وجل، ولذلك فإن دعاة الباطل هم كالخفافيش التي لا تنتشر إلا حينما يخيم الظلام، وهم كالفئران التي لا تنطلق في الأرض إلا حينما يسكن الجو وتفقد الحركة، ولكن حينما تكون هناك حركة -أي: دعوة- فإن هذه الفئران ترجع إلى مواقعها خاسئة ذليلة.

إذا نشط دعاة الباطل، وسكت دعاة الحق أو أسكتوا؛ أصبح الأمر خطيراً تفسد الحياة، ويلتبس الأمر على الناس، ويختلط الحابل بالنابل، ثم تنزل عقوبة الله عز وجل على هؤلاء البشر وهم يخوضون كما تخوض البهائم في هذه الحياة.

ولذلك فإن المرسلين عليهم الصلاة والسلام ختمت رسالاتهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، وانتهت الرسالات بمحمد صلى الله عليه وسلم، وتحمل الأمانة كل عالم من علماء المسلمين ولو علم آية واحدة من كتاب الله عز وجل، وأصبح العبء يتحمله كل واحد من المؤمنين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، حيث يقول الله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ} [الحج:٧٨] {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، لستم كالأمم السابقة أخرجت لأنفسها، ولكنكم أخرجتم للناس.

إذاً: الدعوة إلى الله عز وجل أمر مطلوب لا بد أن تنتشر في هذه الأرض، وإذا سكتت أو أسكتت فإن دعاة الباطل سوف يتحركون، وإذا تحرك دعاة الباطل حينئذ يهلك الحرث والنسل، وتفسد الحياة، وتسوء الأمور، وتنزل عقوبة الله عز وجل، ولا يتخلص بعد ذلك من هذه العقوبة إلا الذين ينهون عن السوء.

إن الدعوة إلى الله عز وجل هي السبيل المثلى؛ بل هي السبيل الوحيد للوصول إلى الجنة ولإيصال الناس إلى الجنة، تصوروا يا إخوان! الدعوة إلى الله تدخل حتى الكافرين الجنة، كيف تدخل الكافرين الجنة؟ لأنها تسعى لهداية هؤلاء الناس، فيدخل حتى الكفار إضافة إلى المسلمين الجنة إذا التزموا بالمبدأ الذي دعا إليه المصلحون، والله تعالى يقول: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:١٧٠]، ولم يقل: لا نضيع أجر الصالحين، ففرق بين الصالح وبين المصلح، ولذلك أخبر الله تعالى بأنهم هم الذين يمسكون بالكتاب: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف:١٧٠].

أيها الإخوة! دعاة الحق لا بد أن ينشطوا في كل عصر، ولا يجوز إسكات دعاة الحق، وإذا أسكت دعاة الحق فإن هذه الحياة لا تخلو من حركة، ولا تخلو من عمل، فسوف يتحرك دعاة الباطل، وهم الذين يكرهون الدولة، ويكرهون الإسلام، ويكرهون حكم الله، ويكرهون شرع الله، وأول أمنية وأكبر أمنية لهم أن ينتشر الفساد في الأرض، وأن يكون الدين لغير الله عز وجل.

إذاًَ: أخطر طريق تعترض طريق المؤمنين أن توقف الدعوات، أو أن تناقش وتحاسب، أو ألا يفسح لها المجال في الأرض، هذا دين الله يا إخوان! والله لا بد أن يسير في الأرض ولو كره الناس كلهم أجمعون، لا بد أن يسير في الأرض، ولكن ننصح كل إنسان يريد الخير والسعادة؛ سواء كان على مستوى المسئولية أو على مستوى الأفراد، أن ينضم إلى هذا الصف، وإلى هذه المجموعة، ولذلك فإن هذا الدين لا يضيره أن يقف العالم كله في وجهه، ولكن يلزم كل من أراد السلامة والسعادة النفسية في الدنيا والآخرة أن يسير في هذا الخط وفي هذا الصف.

أيها الإخوة! إذا نشط دعاة الباطل -وأخطر دعاة الباطل حينما يكونون من أبناء جلدتنا- فعلى الأمن والطمأنينة السلام، ودعاة الباطل إذا كانوا من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا فالخطورة أشد وأعنف.