للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الذين يظلهم الله رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه

سابع هؤلاء السبعة: قال عليه السلام: (ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).

لقد ذكر الله تعالى في مكان لا يطلع عليه أحد، ولا يراه إلا الله عز وجل، فعظم الله تعالى في قلبه، وتصور كبرياءه وجبروته، وأنه مالك الملك لا إله إلا هو خالق السماء ورافعها، وباسط الأرض وداحيها، الذي بيده مقادير الأمور، يعلم كل صغيرة وكبيرة تذكر هذا كله فدمعت عيناه خشية من الله، وخوفاً منه سبحانه، وتعظيماً له، وإقراراً بجبروته وملكوته.

لقد قلَّب فكره في ماضي أيامه، فمرت أمام عينيه صفحة سوداء من ذنوبه وآثامه، ومعاصيه وجرائمه؛ تذكر هذا كله وتذكر أن له رباً يغفر السيئات، ويتجاوز عن المعاصي والمهلكات، ويدعو عبده ليستغفر من الذنوب والزلات فنزلت على خده دمعة حارة صادقة من قلب خاشع قانت، معترف بذنوبه وآثامه، نادم على تفريطه وإجرامه دمعة يرجو بها من الله أن يغفر له ما مضى، وأن يتجاز له عما سلف.

إن هذا الرجل قد بكى من خشية الله وهو في خلوة لا يراه فيها أحد، وقلبه خالٍ من التعلق بالدنيا، وهذا يدل على صدق إخلاصه لله رب العالمين، وتجرده عن الرياء والسمعة، أو مدح الناس وثنائهم، بل إنه يرجو الثواب من الله وكفى، فلما كانت هذه حاله لم يعد يهمه نظر الناس إليه ما دام أن رب الناس ينظر إليه.

إن هذا الرجل لما كان كذلك استحق أن يكون في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله.

وقد ورد في البكاء من خشية الله أحاديث عن النبي عليه السلام، منها حديث أبي ريحانه رفعه: (صرفت النار عن عين بكت من خشية الله).

وحديث أبي هريرة أن النبي عليه السلام قال: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله).

رواه الترمذي والحاكم وصححه.

لقد دمعت عين هذا الرجل خشية لله عز وجل، وخوفاً منه سبحانه، وإن هذا السلوك لمن صفات عباد الله المتقين وأوليائه الصالحين، الذين يراقبونه في جميع تحركاتهم وتصرفاتهم، ويعلمون أنه سبحانه مطلع عليهم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، لا يغيب عنه شيء وإن كان مثقال ذرة أتى بها وحاسب عليها.

إنه لما استقر هذا الأمر في قلب هذا العبد المؤمن، وعرف أن الله تعالى مطلع عليه دمعت عيناه خشية من ربه ومولاه.

إن الخشية يجب أن تكون لله عز وجل وحده، ومن هنا سوف تنزل هذه الدمعة الصادقة، التي لو كانت كرأس الذباب -كما أخبر الرسول عليه السلام- فإنها سوف يكون لها وزنٌ في ميزان العبد يوم القيامة أكثر من كل أعماله التي يقدم بها على ربه سبحانه وتعالى.

وفي الأخير نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.