للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الأمر ببناء المساجد]

معشر المسلمين! أمر الإسلام ببناء المساجد وتشييدها وتنظيفها وتطهيرها، فقال سبحانه وتعالى: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:٣٦]، أي: أن تبنى وتشاد.

وحث الرسول صلى الله عليه وسلم على بنائها فقال عليه الصلاة والسلام: (من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة).

وروى البيهقي بسند حسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يتبع المرء من عمله وحسناته بعد موته: علم علمه ونشره، أو بيت لابن السبيل بناه، أو مسجد بناه، أو نهر أجراه، أو مصحف ورثه، أو ولد صالح تركه، أو صدقة أجراها في حياته تتبعه بعد موته)، ولذلك يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:١٨].

فحينما نبني هذه المساجد ابتغاء مرضاة الله وننفق أموالنا رجاء ما عنده؛ فإننا نكون قد أعددنا لأنفسنا بيوتاً في الجنة.

وإن أخوف ما أخافه على هؤلاء الأثرياء الذين من الله عليهم بالمال ألا يبذلوا شيئاً لخدمة هذه المساجد وبنائها، حتى إذا شعروا بالموت قد دنا بدءوا يوزعون المال هنا وهناك، وربما يوزعونه في طرق الخير حينما يكونون على فراش الموت، ونسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح، تأمل الغنى وتخشى الفقر، ولا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان كذا).

معشر المسلمين! لابد أن ننفق هذا المال في وجوه الخير، فقد من الله علينا بأموال كثيرة، وبلادنا تشهد توسعاً عريضاً، والعالم الإسلامي مفتقر لإقامة المساجد والمراكز الإسلامية في أنحاء العالم، ويفقد هذا المال الذي من الله به علينا.

وإني أدعوكم -بعد أن أدعو نفسي- لإنفاق شيء منه في هذا الأمر؛ فذلك خير من أن نقف أموالنا بعد الموت كلها في طرق الخير، فعلينا أن نقدمها ونحن نأمل الغنى ونخشى الفقر.

وهذه العمارة لابد أن يقدمها المسلمون؛ لأن الله أمر بذلك فقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:٣٦]، وإذن الله بمعنى الوجوب والفرض، فلابد من ذلك، والمسلمون الذين يملكون هذه الأموال يأثمون حينما تكون هناك قطعة في الأرض يستطيعون أن يقيموا فيها مسجداً ولا يقيمونه.

معشر المسلمين! لو أهملنا هذه المساجد ولم نعطها ما تستحق من عناية، فإن أعداء الإسلام يعملون على قدم وساق في سبيل حرف أبناء هذه الأمة، ولكن هذه المساجد تعتبر مركز إشعاع وخير للعالم كله؛ حيث ينطلق منها المسلمون إلى أمانيهم، لذا فإن علينا أن نحقق هذا الأمر، وأن نبذل هذا المال، فإن الله تعالى يقول: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:٧]، ثم يبين سبحانه وتعالى أن هذا المال سيعود إليه فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.