للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المراحل التي مر بها الجهاد في سبيل الله عز وجل]

السؤال

ما رأيك في القول بأن الجهاد الإسلامي إنما شرع لإزالة القوى الكافرة، والطغاة الذين يحولون بين البشر وبين تلقي الهدى والإسلام؟ وإذا كانت الدولة الكافرة تسمح للدعاة بممارسة نشاطهم في أرضها بكل حرية فهل يسقط الجهاد ضد هذه الدولة؟

الجواب

الإسلام مر بأربع مراحل: مرحلة الصبر، وتجدونها في الآيات المكية، كقوله تعالى: {فَاصْبِرُوا} [الأعراف:٨٧]، وقوله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧].

ثم جاء الدفاع في المرحلة الثانية، ومن ذلك قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج:٣٩]، وذلك أول ما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.

ثم أُمر المسلمون بالقتال ابتداءً، لكن من قدم الجزية تقبل منه الجزية، وهذه هي المرحلة الثالثة.

المرحلة الرابعة التي أعتقدها أنا: أنها مرحلة القتال دون أن تقبل الجزية، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة:١٢٣]، وقوله: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:١٩١]، إلى غير ذلك من الآيات التي تجدونها في سورة التوبة؛ لأن سورة التوبة من آخر ما نزل من القرآن في آيات الجهاد؛ حيث إنها نزلت في غزوة تبوك، وهي تعتبر من أواخر الغزوات.

وعلى كلٍ تكون المراحل أربع، ولذلك المسلم لا يضع السلاح حتى يكون الدين كله لله، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:٣٩]، والفتنة ليس معناها الفوضى، وإنما معنى الفتنة: الكفر، يعني: قاتلوا الكافرين حتى لا يبقى كفر على وجه الأرض، وحتى يكون الدين كله لله، فلا يبقى دين غير دين الإسلام.

ولذلك أعتقد أن المسلمين مفرطون حينما يضعون السلاح على الأرض وهناك من يعبد في هذه الأرض غير الله سبحانه وتعالى، لكن لو بقيت دولة تهادن المسلمين، والمسلمون يشعرون بالقوة فنقول في مثل هذه النقطة: هذه نقطة ضعف، فيدعون القتال حتى يتقوى هؤلاء المسلمون لينشروا هذا الإسلام في هذه الأرض بطريق القوة.

ولذلك لا يضير الإسلام أنه ينتشر بالقوة؛ لأن الإسلام انتشر بالحكمة فوقف العدو في وجهه فالله سبحانه وتعالى أراد أن يزيح ما يقف في وجه هذه الدعوة، ولذلك الذي أعتقده أنا أن آخر ما استقر عليه الدين: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [الأنفال:٣٩]، أي: كفر، {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال:٣٩]، لكن لا مانع أن يبقى كافرون يعيشون في ظل دولة إسلامية، والله تعالى يقول: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:٨].

لكن يا إخوان! لا تظنوا أن معنى (تبروهم) هو هذا اللين وهذه الرقة التي يعيشها المسلمون مع أعداء الله، ولكن إذا كان هناك كافر فقير عاش بدولة إسلامية وهو ذليل فقير، فنحسن إليه، كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإذا تحاكم رجل كافر ومسلم أمامنا نحكم بالعدل بينهما، هذا معنى (تقسطوا إليهم)، أما هذه الرقة وهذا اللين وهذا الذوبان مع الكافرين، فهو الشيء الذي لا يقبله الإسلام في أي حال من الأحوال.