للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب إخراج الزكاة لمن يستحقها]

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم وارض عن آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الزكاة ركن من أركان الإسلام، وأن أمرها خطير، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله).

معشر المسلمين! ويل للذين يبخلون بما أوجب الله عليهم من الصدقة؛ فإن الله عز وجل استخلفهم في هذا المال ليختبرهم، وأمرهم بالإنفاق مما جعلهم مستخلفين فيه فقال: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:٧].

ثم هذا المال سيصير لله عز وجل يوم يرث الأرض ومن عليها: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

وحينئذ يجب على المسلم أن يخاف الله عز وجل، وأن يحافظ على هذا الواجب الذي فرض الله، وأن يحسب ماله وما عليه في رأس كل عام، وفي يوم يحدده ليخرج زكاة هذه الأموال من نقد أو عروض تجارة، ويصرف هذه الزكاة للذين يستحقونها، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ} [التوبة:٦٠].

أيها الإخوان! لا يجوز أن ندفع الزكاة مجاملة أو محاباة أو صيانة لأموالنا؛ بل يجب أن ندفعها كما أمر الله عز وجل، فهو الذي تولى حفظها بنفسه وتوزيعها.

معشر المسلمين! إن هناك ظروفاً تتطلب من المسلم أن يبادر بإخراج زكاته طيبة بها نفسه، هناك عزاب لا يجدون مئونة الزواج، فيجب أن نبذل من أموالنا ما نزوجهم به من أجل أن نحصن أموالنا، ونحصن المجتمع من شر العزوبة، وعَلَم الجهاد اليوم قائم في سبيل الله في أرجاء الأرض، والمجاهدون يفقدون المال، وهناك الأُسر التي أرملتها الحروب على أيدي أولئك الظلمة، كل هؤلاء يجب أن نبذل أموالنا لهم، ولو خرجنا عن هذه الحدود الإقليمية فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المؤمنون:٥٢]، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إنما المؤمنون إخوة).

إن علينا أن نؤدي هذا الحق المقدس، ومن هنا ندرك الفرق الواضح بين نظام الإسلام في الصدقات والزكوات، وبين الأحكام الجائرة التي تسود أكثر العالم الإسلامي اليوم، فإن الزكاة في الإسلام يؤديها الناس ركن من أركان دينهم، طيبة بها أنفسهم، يبتغون الأجر والمثوبة من الله، أما تلك الضرائب فإنها لا تؤخذ إلا تحت قسوة القوانين الجائرة، والزكاة في الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام: (تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)، أما تلك فإنها تؤخذ من الأغنياء والمتوسطين والفقراء، ولا ترد على الفقراء ولكنها تنفق لتثبيت عروش تعتز بأهلها بسبب ما كسبت أيديهم.

انتبهوا لهذا الأمر، واحذروا البخل؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد:٣٨].

أيها الإخوان! حاسبوا أنفسكم قبل أن نقف يوم القيامة بين يدي أسرع الحاسبين، ليحاسبنا على هذه الأموال صغيرها وكبيرها، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن آله وأزواجه وأتباعه، اللهم ارض عنا معهم، وارزقنا حبهم، واجمعنا بهم في جنات النعيم.

اللهم إنا نتوجّه إليك في هذه الساعة المباركة من هذا اليوم المبارك، من هذا الشهر المبارك أن تهدي ضال المسلمين إلى الحق، وأن ترد المسلمين إليك رداً جميلاً، وأن ترزقهم حكاماً صالحين يقودونهم إلى طريق الجنة والسعادة في الدنيا والآخرة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم احم حوزة الإسلام من المفسدين والمخربين، اللهم طهر المجتمعات الإسلامية من الشح والبخل، والفساد والضلال، والمعصية والشرك، والشك والنفاق.

اللهم وأيد المسلمين المجاهدين في سبيلك، اللهم خذ بأيديهم إلى ما فيه سعادة الأمة بأجمعها، اللهم لا تكلهم إلينا فنعجز عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين، اللهم وعليك بأعدائهم، اللهم وعليك بأعدائهم من جميع الكفرة والملحدين، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم وأسقط عليهم كِسْفاً من السماء، وأرنا فيهم عجائب قدرتك، واجعل فيهم آية وعظة للمتعظين والمعتبرين.

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:١٠].

عباد الله! {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:٩٠].

{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} [العنكبوت:٤٥].