للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل فريضة الحج وما فيها من المنافع]

الحمد لله الذي دعا عباده المؤمنين إلى حج بيته الحرام؛ ليشهدوا منافع لهم، وليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن آله، ومن دعا بدعوته، وعمل بسنته، ونصح لأمته، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الإخوة المؤمنون! يقول الله عز وجل: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٦ - ٢٩].

أيها الإخوان! إن الله سبحانه وتعالى جاء بدين الإسلام من أجل أن يقرر قواعد لا بد منها، ولعل من أبرز هذه القواعد وأهمها: قضية التوحيد لله عز وجل، والإخلاص له في العبادة، وإقامة قواعد دينه على هذا الأساس، وتحطيم كل ما يعبد من دون الله من حي أو ميت، من أجل ذلك بوّأ الله سبحانه وتعالى لسيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام مكان البيت، ثم أمره بأن يطهر البيت من الأصنام والأوثان، ثم أمره بأن ينادي بالحج من أجل أن يحضر المسلمون من كل صوب وحدب؛ ليشهدوا هذه المنافع؛ وذلك من أجل إقامة مآرب التوحيد.

ولقد استجاب نبينا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لهذا النداء، فبنى البيت كما أمره الله، ثم صعد على جبل أبي قبيس، وقال: أيها الناس! إن الله بنى لكم بيتاً فحجوا، فسمعه كل مخلوق كان أو لم يكن على وجه الأرض، حتى من كانوا في أصلاب آبائهم، فنادى الجميع بصوت واحد: لبيك اللهم لبيك.

ومنذ ذلك الحين والعالم يحج هذا البيت الذي وضعه الله عز وجل ليكون أول بيت وضع للناس في الأرض.

أما المنافع التي أرشدنا الله عز وجل إليها فهي كثيرة، والدليل على كثرتها: التنكير، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج:٢٨]، وحينئذٍ فإنها منافع عظيمة، يجب أن يبحث عنها المسلمون في كل فقرة من فقرات الحج، وفي كل زاوية من زوايا الأرض المقدسة.

هذه المنافع تبرز منذ تلك اللحظة التي يغادر فيها المرء أهله وعشيرته معتمداً على الله عز وجل، قد ولى وجهه شطر بيت الله الحرام، قد ودع الأهل والعشيرة، وانقطع من كل شيء سوى الله سبحانه وتعالى، ثم يأتي سر التجرد مما يملك، بحيث ينزع كل ما يملك عن بدنه، حتى ثيابه الرقيقة؛ ليرتدي ثياباً خشنة تشبه الأكفان، وكأنه يريد أن يتذكر ساعة الموت والفراق، يوم يلف بهذه اللفائف، وحينئذ يحضر ذلكم الاجتماع الكبير الذي يحكي لنا موقف يوم القيامة، يوم يجمع الله عز وجل الأولين والآخرين في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويُسمعهم الداعي، يحضرون من كل فج عميق ليبحثوا عن هذه المنافع.